الدعم فى البهو الفرعونى
حكاية وطن
نائب صعيدى فى مجلس الشعب خلال فترة حكم «مبارك» كان يطلق عليه النائب الفصيح، لخص قضية فساد الدعم لأنه لا يصل إلى مستحقيه الحقيقيين خلال جلسة فى البهو الفرعونى أيام جلسات المجلس التى انعقدت خلال مجلس شعب «2000»!
الجلسة كانت تضم أساتذة ونواباً مخضرمين فى الاقتصاد والسياسة يتقدمهم الدكتور مصطفى السعيد، رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب فى ذلك الوقت وعدد من أعضاء لجنتى الخطة والموازنة واللجنة الاقتصادية، ودار الحديث حول عدم قدرة منظومة الدعم على تحديد المستحقين الحقيقيين وافتقارها إلى قاعدة بيانات يمكن الاعتماد عليها، وتطرق الحديث إلى طرح فكرة الدعم النقدى بدلاً من الدعم العينى، وهى حصول المدعومين على مبالغ شهرية يشترون بها احتياجاتهم من السلع الخاصة للدعم ومنها الخبز والبنزين والبوتاجاز والكهرباء.
واصطدم الحوار الاقتصادى الذى استهلك فيه المجتمعون «بالصدفة» كميات كبيرة من القهوة و الشاى والعناب والليمون، والسندوتشات التى كان يحضرها عمال البوفيه المكلفون بخدمة البهو الفرعونى.
أثناء الحوار الذى كان أحد أطرافه نائب صعيدى لقب بـ«الفلاح الفصيح»، لأنه رغم ارتدائه العمامة والجلباب ولأنه نائب عن الفلاحين أيام كانت مصر”عمال وفلاحين” إلا أنه كان يتحدث بلغة عربية فصحى، كانت تجذب كل أعضاء المجلس تحت القبة والحكومة ورئيس مجلس الشعب للاستماع إليه، خلال الحوار الذى كان يحاول وضع تعريف لأزمة الدعم، وأسباب فشل المنظومة، كان الدكتور مصطفى السعيد – رحمه الله – يحاول طرح تعريف اقتصادى أو أدبى، أكاديمى من الذى يدرس فى الجامعات، ولكن «الفلاح الفصيح» عندما لمح المهندس أحمد عز، رجل الأعمال الكبير ورئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب وأحد رجال السياسة فى الحزب الوطنى عندما لمحه يمر من أمام «اجتماع البهو» صاح مقلداً «إسحاق نيوتن» عندما أدى سقوط ثمرة من شجرة أمامه اكتشافه الجاذبية الأرضية تقريباً، «الفلاح الفصيح» أو النائب الفصيح قال: وجدتها، وأشار إلى المهندس أحمد عز الذى كان يهرول فى طريقه إلى لجنة الخطة قائلا: منظومة الدعم الحالى يجعل المهندس أحمد عز يحصل على السلع المدعومة مثلما يحصل عليها «عم رفعت» دون أن يجرؤ أحد على الاعتراض، و«عم رفعت» معروف فى المجلس أنه عامل بسيط كان قريبا من جلسة البهو لأن عمله كان العناية بأحذية النواب، المثل الذى ضربه النائب الفصيح ليس فيه اتهام للمهندس أحمد عز ولا التقليل منه، ولا يقصده بصفة شخصية، ولكنه كان يريد أن يقول إن الأغنياء جداً فى البلد مثل رجال الأعمال يحصلون على الدعم مثل الفقراء أو الذين يعيشون تحت خط الفقر، وهذا عيب فى المنظومة، لأنه لم يستطع الوصول إلى المحتاجين الحقيقيين للدعم، ويتم الصرف لجميع الأغنياء والفقراء، وهذا إهدار للدعم، وإهدار للمال العام، وأعباء على الموازنة العامة للدولة.
اتفق الجميع على ضرورة مواجهة الحكومة والتفكير فى تحويل الدعم العينى إلى دعم نقدى فى محاولة لاستبعاد القادرين جدا من منظومة الدعم، والتركيز على الفقراء، مما يعنى تخفيض فاتورة الدعم، قبل أن يهم النواب للدخول إلى قاعة المجلس امتثالاً للجرس الذى نبه إلى قرب بدء الجلسة قال نائب عرف عنه بـ«النكتة»: «الدعم العينى والدعم النقدى محيّرنا ومحيّر الحكومة، ومررنا بهذه المشكلة عندما كنا نبحث عن الصرف فى البر أم فى البحر، فرد آخر: يا سيدى كله صرف. الدعم صرف أموال، والتصريف صرف ما نشتريه بالدعم لنصرفه بعد الهضم!
سألت الدكتور مصطفى السعيد: خلاص مشكلة الدعم اتحلت، قال: لا هى بدأت، ده ميراث قديم من أيام الحرب العالمية الأولى، واستمر كل هذه السنوات ومرشح للاستمرار، قلت له لماذا؟ ضحك رديت عليه يعنى ترضية للشعب وتحميلا على أكتاف الأجيال الجديدة.. لم يرد!!