الحرب في سوريا.. محاولة لاستدراج روسيا وإيران

فاجأت المعارضة المسلحة في الشمال السوري المراقبين بتلك العمليات التي اندلعت الأربعاء الماضي في شمال غرب سوريا، وسيطرت فيها خلال أيام قليلة على كل هذه المساحات التي تجاوزت 400 كيلومتر مربع، وسيطرت فيها على مدينة حلب ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية.

وتزامنت تلك المعارك مع زيارة غير معلنة، قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا، للحصول على دعمها في مواجهة فصائل المعارضة المسلحة التي يبدو أنها نجحت في الحصول على أسلحة حديثة خلال فترة الهدنة التي بدأت بين الطرفين نهاية عام 2020.

وجاءت الزيارة غير المعلنة في توقيت حساس، وسط تطورات ميدانية برز فيها انهيار مفاجئ لدفاعات الجيش السوري، وتقدم المعارضة بشكل لم يكن ضمن حسابات الكثير من المراقبين.

وتتجه الأنظار نحو موسكو، حيث أُعدّت الزيارة لمناقشة قضايا مصيرية تتعلق بمستقبل سوريا، تشمل إعادة إحياء المحادثات مع تركيا ومراجعة الدور الإيراني في البلاد.

من جهة أخرى، يتواصل التصعيد الميداني، حيث أحرزت المعارضة السورية مكاسب كبيرة في المناطق الشمالية، متجاوزة التحصينات الدفاعية للنظام السوري.

وفي ظل هذه الأوضاع، تطرح تساؤلات عديدة: ما هي أهداف أطراف الصراع في الحرب بداية من المعارضة المسلحة، وكل من النظام السوري، وتركيا، وإيران، وروسيا، وأمريكا، وإسرائيل؟ حيث تتشابك كل تلك الدول في هذا الصراع الدموي الذي انطلق عام 2011، ولا يزال مستمرًا بفعل تدخل هذه الأطراف لتحقيق أهدافها المتناقضة، وسط إصرار الدول الكبرى على تقسيم سوريا بشكل واقعي على الأرض، حيث سمح للمعارضة الكردية “قوات سوريا الديمقراطية” في الشمال، باحتلال 25% من الأراضي السورية تحت الحماية الأمريكية الأوروبية، بينما تساند تركيا الفصائل المسلحة التي تسيطر على 10% من الشمال السوري. ويسيطر النظام على ما تبقى من الأراضي السورية بحماية روسية إيرانية، وبمشاركة قوات من حزب الله، وفصائل شيعية عراقية، وأفغانية، وباكستانية.

التطورات الميدانية

أعادت الحرب التي تقودها الفصائل المسلحة إلى الأذهان تلك الانتصارات السريعة التي حققتها هذه الفصائل على الجيش السوري ما بين 2011 إلى 2016، حيث تمكنت الفصائل من السيطرة على مواقع استراتيجية في حلب وإدلب، كما أعلنت سيطرتها على الكلية العسكرية وكلية المدفعية في حي الزهراء، وتمكنت من اختراق دفاعات النظام في أحياء مثل الحمدانية، وحلب الجديدة.

هذا التقدم الميداني يعد الأكبر منذ سنوات، حيث تمكنت المعارضة من السيطرة على 14 حيًّا في مدينة حلب، وفرضت حظر تجوال في المدينة، في خطوة تهدف إلى تأمين مناطق سيطرتها وتثبيت مكاسبها العسكرية.

توحيد المعارضة

أطلقت فصائل المعارضة على عملياتها اسم “ردع العدوان”، التي جمعت فصائل متعددة تحت قيادة موحدة، والتوحد الميداني للفصائل، إضافة إلى غياب الدعمين الروسي والإيراني، كانا سببًا رئيسيًا لتقدم الفصائل المسلحة.

كما شكلت المعارضة غرفة عمليات مشتركة، تمكنت من تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض، بما في ذلك السيطرة على مناطق مثل خان العسل والزربة، وقطع الطريق الدولي بين حلب ودمشق.

تناقض الحلفاء في سوريا

على الرغم من دور تركيا كضامن لمناطق خفض التصعيد، لم تُصدر تركيا موقفًا رسميًا مساندًا لتلك العملية حتى الآن، ومع ذلك، أشارت تقارير إلى أن العملية العسكرية المعارضة تحظى بدعم ضمني تركي، خاصة أنها تهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني، وتعزيز الاستقرار في المناطق الحدودية.

وبالتوازي مع ذلك، يبدو الموقف الروسي غامضًا، حيث تراجعت مشاركتها العسكرية مقارنة بالسنوات السابقة، مما أثار تساؤلات حول توافقات محتملة بين موسكو وأنقرة تتضمن السماح للمعارضة المسلحة بالسيطرة على ما يسمى بمناطق خفض التصعيد وفقًا لاتفاق سوتشي. في المقابل، أظهرت إيران موقفًا حازمًا، حيث أعلنت مشاركتها الفعلية في القتال، ما أدى إلى مقتل ضباط إيرانيين بارزين.

زيارة الأسد لموسكو

تمثل إحدى القضايا الرئيسية في زيارة الأسد إعادة إحياء المحادثات المتوقفة مع تركيا، والتي وصلت إلى طريق مسدود بسبب شروط متضاربة بين الطرفين. دمشق تصر على انسحاب القوات التركية من شمال سوريا، بينما ترفض أنقرة ذلك دون اتفاق سياسي شامل مستندة إلى القرار الأممي 2254. ومع تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية، يبدو أن موسكو تسعى إلى لعب دور الوسيط، خاصة مع تراجع اهتمامها بالملف السوري بسبب انشغالها بالحرب الأوكرانية.

وتأتي هذه الجهود في سياق محاولات روسيا تحقيق تقارب بين دمشق وأنقرة، لتعزيز استقرار الشمال السوري، وربما تقليص النفوذ الإيراني، الذي يثير قلق تركيا، ويعقد المشهد العسكري في البلاد.

وتحدث مراقبون عن محاولات الرئيس الأسد يهدف من خلالها إلى تزويد سوريا بمنظومات دفاع جوي لحماية البلاد من الضربات والاختراقات الإسرائيلية المتلاحقة. كما أن الرئيس الأسد يحاول أيضًا إخراج بلاده من الصراع العسكري المحتمل بين إيران وإسرائيل ودول الغرب، وكل هذا لن يتحقق إلا مع جيش سوري قوي يبسط سيطرته، وحمايته على كل الأرجاء السورية وإخراج القوات الإقليمية والدولية التي تحتل أجزاءً واسعة من الأراضي السورية.

إيران، الحليف القوي للنظام السوري، تواجه تحديات كبيرة مع تصاعد الاستهداف الإسرائيلي لمواقعها في سوريا. وأشارت تقارير إلى أن الأسد يبحث في موسكو إمكانية مراجعة دور إيران العسكري في بلاده، خصوصًا أن هذا الدور أصبح محل خلاف بين النظام وحلفائه الآخرين.

وتبدو روسيا معنية بضبط النفوذ الإيراني في سوريا، سواء لضمان استقرار المناطق الخاضعة للنظام، أو للتخفيف من الضغوط الإسرائيلية والأمريكية عليها. وكانت هذه القضية محورية في المباحثات بين الأسد والقيادة الروسية، مع محاولة إيجاد توازن جديد بين الأطراف الحليفة.

مستقبل الصراع

ويتخوف المراقبون من تداعيات هذا الصراع على الدولة السورية ووحدتها، خاصة أن المشاهد الأولية تشير إلى:

1 ـ احتمالات فتح جبهات متعددة للحرب ما بين الفصائل الموحدة، وقوات الحماية الكردية المدعومة أمريكيًا، والتي تسيطر على أجزاء من الشمال السوري، وخاصة مدينة حلب التي انسحبت القوات الجوية السورية من منها ومن مطارها، وهناك أنباء عن دخول عدد من تلك القوات إلى المطار والسيطرة عليه، وهو ما يشير إلى احتمالات كبيرة للصدام مع قوات المعارضة المدعومة تركيًا.

2 ـ اتساع الخلافات بين تركيا وروسيا خاصة بعد انسحاب عدد كبير للقوات الروسية من سوريا للاشتراك في الحرب ضد أوكرانيا، وهو ما يمكن أن تستغله تركيا في فرض منطقة عازلة ممتدة على طول حدودها الممتدة مع سوريا، وهو ما عرقلته القوات الروسية في السابق.

3 ـ هناك احتمالات أن تتحول الأراضي السورية إلى منطقة صراع مباشر، ما بين إسرائيل وإيران، حيث يسعى الجيش الإسرائيلي إلى ملاحقة جميع القوات الإيرانية، أو التي تناصرها في سوريا، مع توافق روسي ضمني لإنهاء النفوذ الإيراني في البلاد.

4 ـ ويتحدث المراقبون عن خطة أمريكية غربية لاستدراج روسيا إلى حرب موسعة في سوريا يمكن استغلال تلك الحرب في القضاء على قواتها وقواعدها في حميميم واللاذقية.

وهكذا تتضح ملامح الحرب التي يمكن أن تقع فيها إيران وسوريا ضحية استدراج إسرائيلي- أمريكي- غربي، وتذهب وحدة الدولة السورية إلى قبضة أطراف خارجية خاصة أن ضعف العرب وغياب جامعتهم يشجع الجميع على استباحة الأراضي العربية دون أي اعتبار لها.