الخيميائي وطاقة الشر (١)

الخيميائي وطاقة الشر (١)

أوراق مسافرة

“قابلت الكثير من أعدائي أسوأهم هؤلاء الذين يدعون أنهم أصدقائي”، مقولة تبدو غريبة عن الطبيعة والفطرة الإنسانية للكاتب والمفكر البرازيلى الشهير باولو كويلو صاحب أشهر رواية في العالم عن اكتشاف النفس البشرية وما يحيط بها من عوالم وطاقة روحانية وهي رواية “الخيميائي” الصادرة عام ١٩٨٨ وباع منها ما يقرب من ٢١٠ ملايين نسخة  في ١٧٠ بلدًا، وتمت ترجمة الكتاب إلى ٨١ لغة، لكننا لو نظرنا حولنا الآن لوجدنا تلك المقولة تتحقق بدقة في كل ما يحيط بنا من تعاملات، بالفعل الأعداء الواضحون لنا نحن كفيلون بهم وبمواجهتهم بكل ما نملك من أسلحة وقوة، سواء كانت هذه الحرب حقيقية الأسباب، أو مصنوعة الأسباب،لكن أكثر حرب خطرة نواجهها هي حرب الأصدقاء، لأنها حرب غالبًا خفية وغير معلنة، ليس لها أسباب واضحة يمكن أن نجابها، لأن النفس البشرية لم تعد بنفس البساطة والعفوية والوضوح التي كانت عليها من قبل، بسبب تطورات العصر وتلك المتغيرات ذات الوتيرة السريعة والتحديات، فصارت النفس البشرية أكثر تعقيدًا مما تتصوره عقولنا، من هنا نجد أنفسنا في تلك الحروب الخفية الأكثر قسوة مع من يدعون أنهم أصدقاؤنا، حروب حتى داخل قلب الأسرة الواحدة من الأزواج والزوجات والأشقاء والأبناء، وسبحان الله من سبق كل العصور بتحذير الإنسان في سورة التغابن بقوله “يا أيها الذي آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوًا لكم فاحذروهم” . ولعلي أسوق هذه الآية، وبعدها ما قاله باولو كويلو، ومؤكد قال مثل قوله مفكرون وفلاسفة وأدباء، ولا شك أن كلًا منا عاني في محيط مجتمعه من هؤلاء الأعداء المتوشحين بالصداقة والمحبة زورًا، ومؤكد تفاجأنا بأشخاص هم أقرب الناس لنا وقد يكونون قطعًا من فلذات أكبادنا، يناصبونا العداء دون سابق إنذار وبلا مبرر أو سبب واضح، وهو أمر يسبب لنا الصدمات النفسية ويفقدنا الثقة في كل شيء حولنا، فما أبشع أن يتحول من تعتقد فيهم الرفقة الطيبة والسند في الحياة الي خناجر تطعن قلبك بلا رحمة، وما أبشع أن تزرع لأحبابك وردًا فيغرسون أشواكه في روحك، ما أبشع أن تبني لهم حياتهم من لبنات عمرك وشبابك فإذا بهم يتحولون لمعاول لهدمك، أن تعلى مقامهم على حساب انزوائك وتضحياتك، فيحفرون حفرة ويحاولون فيها دفعك وردمك. للأسف نحن في تلك الحرب نفقد الكثير من أنفسنا، ذاتنا، إنسانيتنا، لأننا نضطر الى محاربة من كنا نحبهم، والدخول في عداء اضطراري مع من كنا نثق بهم ونرتكن إليهم، وهو ما يسبب لنا خللًا بشعًا في مفهومنا للحياة ككل، ولا أبالغ إن قلت إنه يخلخل أرض الحياة تحت أقدامنا، ويفقدنا الثقة في كل ما حولنا فقدانا قد يطولنا نحن أنفسنا، لأنها حرب تشبه حرب النفس للنفس، حرب القلب للنبض، حرب تقسم الروح وتشتتها، فتغربنا عن أنفسنا، وحال خوضنا لها سواء خرجنا بهزيمة أو نصر، فإننا لا نعود أبدًا كما كنا، بل قد يتغير أجمل ما فينا، حبنا المطلق للناس،  ثقتنا اللا مشروطة في البشر، عطاؤنا اللا محدود في الحب والتضحية.وسأعود هنا إلى رواية الخيميائي لأني وجدت في جوهرها ما يمكن أن يغني أبناء المجتمع الواحد عن محاربة بعضهم البعض وحشد العداء والكراهية من أجل الفوز بمكسب أو كرسى أو سلطة أو نفوذ، لأن بداخل كل منا كنزًا حقيقيًا لو اكتشفه أي منا لأكتفى به وآمن أنه مهما تصارع وعادى من حوله لن يأخذ أكثر من رزقه.. وللحديث بقية .

[email protected]