جمال رشدي
جمال رشدي
ما بين الماضي البعيد والحاضر الذي يحاول أن يتمخض عن مستقبل كما خطط له ذلك الماضي، تدور الحرب الحالية التي تقودها إسرائيل في الشرق الأوسط لتنفيذ ما تم التخطيط له علي يد الأب الروحي لذلك المخطط وهو برنارد لويس الذي يحمل الجنسية البريطانية الأمريكية والديانة اليهودية.. ولد عام 1916 وتوفي عام 2018 تخصص في تاريخ بلاد الشرق الأوسط، وتكلم العديد من اللغات منها العربية والعبرانية والفارسية والإنجليزية والفرنسية والآرامية. وانتقل في السبعينيات إلى أمريكا، وحصل على الجنسية الأمريكية عام 1982.
وتتلخص رؤيته عن “الشرق الأوسط الجديد» إن سكان تلك الدول قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم، واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان.. إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم، أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال لديهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك: إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع من أن تكون مهمتنا المعلنة هي: تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، ويجب أن تقوم أمريكا بالضغط على قياداتهم (دون مجاملة ولا لين ولا هوادة) ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الفاسدة، ولذلك، يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا وتدمر الحضارة فيهما.
ومن هنا نلاحظ إن مخطط برنارد لويس قد حقق العديد من أهدافه في دول المنطقة بعد أن سخرت الولايات المتحدة ومن ورائها دول الغرب كثير من الإمكانيات والأدوات عبر عشرات السنوات، ومن أهم الأدوات التي تم استخدامها هي العولمة الثقافية التي رمت إلي تهجين ثقافي لشعوب المنطقة أدت إلى توطين ثقافة مغتربة مرتبطة بالأيدولوجيات الدينية أو الأثنية أو القبلية التي حلت مكان الثقافة القومية الوطنية وفكت الكثير من ارتباط شعوب المنطقة بعمق هويتهم وتاريخ أوطانهم.
وطبقا للمتغيرات السياسية يتم تحديث مسميات مختلفة جميعها ترتبط ارتباطا كليا بأهداف المخطط ففي عام 1992 أصدر شيمو بيربز كتاب ” الشرق الأوسط الجديد” والذي يعتبر امتداد لمخطط برنارد لويس فهو يجعل إسرائيل المحرك، والقائد، والموجه عن طريق التعاون الفيدرالي في مشروعات تنموية، وإقامة نظام إقليمي متكامل في المنطقة.
وإلحاقا لرؤية برنارد وشيمون هناك وثيقة صدرت في جامعة هارفارد عام 2013 سميت “مسار إبراهيم”، ووثيقة رسمية أخري صدرت عن جامعة فلوريدا الأميركية عام 2015 تتحدث عن “الاتحاد الفدرالي الإبراهيمي”.، ففي عهد إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن عام 2004 تم طرح مصطلح “يهودية الدولة الإسرائيلية”، ثم إدارة سلفه باراك أوباما التي تحدثت عن دور القادة الروحانيين في المنطقة العربية، وظهرت حينها وثائق ومستندات عن “الديانة الإبراهيمية”، ثم جاء دونالد ترامب ليضع الأسس التطبيقية والعملية في إطار أوسع سمي “صفقة القرن”، وبعده جاء الرئيس الحالي جو بادين ليؤكد مثل هذه التوجهات.
وما بين مخطط الشرق الأوسط الجديد أو المسار الإبراهيمي والديانة الإبراهيمية وصفقة القرن، يأتي المسمى الحقيقي للمخطط وهو ” مملكة داوود من النهر للفرات” وبالنظر إلي الدول التي نجح فيها مخطط برنارد لويس ومسار طريق سيدنا إبراهيم ارتباط وثيق جدا بتحقيق الحلم المزعوم لمملكة داوود، فمسار سيدنا إبراهيم جاء عبر العديد من الدول، التي نجح فيها المخطط، والآن الحرب بدأت منذ عام من غزة، ومن ثم في لبنان.. فهل تمتد إلي باقي دول مسار طريق سيدنا إبراهيم؟ لتحدث التغيير الديموغرافي والثقافي، والسياسي، والاقتصادي لكي تكون إسرائيل القائد والمحرك، ونربط ذلك كله بطريق الحرير الصيني الذي يمر ببعض دول مسار سيدنا إبراهيم ويكون مرتكزه الأهم في مصر على سواحل البحرين وقناة السويس، وهنا الصراع ما بين النظام العالمي القائم والتي تمثله إسرائيل ومخطط برنارد لويس، والنظام العالمي القادم والذي يمثله طريق الحرير الصيني وتمطيه روسيا والصين ومجموعة دول البريكس، وفي كل ذلك ما زالت مصر تمثل حجر الزاوية لذلك الصراع القوي، وستكون كلمة السر في تحديد الكثير من مما هو قادم لدول المنطقة.
مصطفى بكري: ما يحدث في السودان الحلقة الثانية لمخطط الشرق الأوسط الكبير
رغم ضعف الطلب.. أسعار النفط العالمية ترتفع بفعل توترات الشرق الأوسط