ابوظبي – ياسر ابراهيم – الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 01:01 صباحاً – الزواج ليس مجرد ارتباط بين شخصين، بل هو شراكة تمتد لتشمل الأسرة والمجتمع بأسره، ومن هنا تنبع أهمية البحث عن أسس وقواعد لضمان نجاح هذه الشراكة.
قد يحدث في بعض الأحيان زواج غير متكافئ لأسباب عدة، منها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ما قد يشكل خطراً على المجتمع بأسره، لذلك اتخذت حكومة دولة الإمارات خطوات واثقة لتشجيع الزواج من إماراتيات، حيث وضعت برامج وتشريعات وسنت قوانين لدعم المقبلين على الزواج، كما نظمت حملات توعوية حول أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية من خلال التشجيع على الزواج المتكافئ.
5 دراسات
وكشفت نتائج 5 دراسات أجرتها مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال على عينة من الشباب المواطن، وحصلت عليها «حال الخليج»، أن كثيراً من حالات فشل الزواج تعود إلى الاختيارالخاطئ للشريك، ربما نتيجة اختلاف البعد الثقافي للزوجين أو الاختلاف في المعايير المتعلقة بالدين والأخلاق والسلوك أو اختلاف المكانة الاجتماعية والاقتصادية.
وأوضحت الدكتورة مريم الجعيدي، مديرة حالة في المؤسسة ومعدة الدراسات، أن الزواج من غير الإماراتية يعود إلى عدة أسباب منها غلاء المهور، ارتفاع تكاليف الزواج، الدراسة في الخارج، تشدد أسرة الزوجة المواطنة وكثرة مطالبها، والتحديات المادية للزوج.
وقالت، إن نتائج الدراسة الأخرى التي أجرتها في البيئة الخليجية أشارت إلى أن الأسر المختلطة تواجه إشكاليات عدة تتعلق بالجنسية والمواطنة، مثل النظرة السلبية للمجتمع واتجاهاته نحو الزواج المختلط، بالإضافة إلى مشكلات سوء التوافق (العاطفي، والأسري، والاجتماعي، والديني) بين الزوجين، فضلاً عن تحديات التواصل اللغوي، والآثار الاجتماعية الناتجة عن الطلاق.
صعوبة الاندماج
وأظهرت دراسة ثالثة أيضاً أن أبناء الأجنبيات المتزوجات من مواطنين يعانون من صعوبات تتعلق بالنطق وضعف اللغة العربية وصعوبة الاندماج مع أقرانهم، إلى جانب تدني المستويين التعليمي والسلوكي لديهم.
كما أوضحت الدراسة أن أحد أسباب الزواج من أجنبيات هو دراسة الشباب في الخارج، فيما كشفت نتائج دراسة أخرى بعض الآثار المترتبة على شخصية الأبناء فيما يتعلق بمتغيرات التنشئة الاجتماعية والتكيف الشخصي والقيمي.
وأوضحت دراسة أخرى للمؤسسة أن اختلاف جنسية أحد الوالدين له أثر في مرحلة الطلاق خاصة في حالات النزاع بشأن حضانة الأبناء، وسفر الأطفال مع الأم الحاضنة وما يتبعه من آثار سلبية.
وتؤكد هذه الدراسات في مجملها التأثيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية على الأسرة الإماراتية، وتدق ناقوس الحذر من أن الزواج من غير الإماراتية قد يحمل أبعاداً متعددة تتراوح بين الجوانب الاجتماعية والنفسية والقانونية على الأسرة والأبناء والمجتمع بشكل عام.
وتشدد على أهمية توعية الشباب بالتحديات المحتملة وتشجيعهم على بناء أساس قوي من التفاهم والتواصل لبناء أسر متماسكة، إلا أن ذلك لا ينفي وجود نماذج ناجحة لزواج الإماراتي من غير إماراتية.
وتظهر نتائج هذه الدراسات، أن هناك 8 آثار اجتماعية وأسرية وعائلية، مترتبة على الزواج غير المتكافئ، منها تغير الهويات الثقافية، اختلاف العادات والتقاليد، تحديات قبول المجتمع، بينما تتمثل التحديات الاسرية في تربية الأبناء، الاختلاف في القيم، الضغط النفسي المترتب على هذا الزواج، أما الاثار العائلية فترتبط بالعلاقات المتوترة مع عائلة الزوج، وضعف التواصل بين عائلتي الزوجين.
برامج داعمة
واقترح خبراء ومختصون تكثيف حملات لتوعية الشباب بأهمية الزواج المتكافئ، وتعزيز برامج الدعم التي تقلل من تكاليف الزواج من مواطنات.
وأكد محمد الكشف عضو المجلس الوطني، أن «المجلس» ناقش هذه القضية في إحدى جلساته بالفصل التشريعي السابق، حيث ركز في مناقشاته على الأسباب التي تدفع المواطنين من غير الإماراتية من الزواج غير المتكافئ.
وأشار إلى أن الجلسة خرجت بتوصيات عدة نقلتها للجهات المختصة لتطبيقها بغرض الحفاظ على مجتمعنا، حيث صبت أبرز التوصيات في تكثيف توعية المقبلين على الزواج بأهمية اختيار الشريك المناسب، وتعزيز المبادرات الداعمة والمشجعة للشباب وتكثيف الدورات التدريبية.
وأضاف أنه يجب اشتراط بنود معينة في عقد الزواج مثل خضوع الزوجين لدورات تدريبية قبل وبعد الزواج لتوعية الزوجين بالقوانين الأسرية وقانون حماية الطفل، وعدم استغلال الأطفال للتأثير على مسيرة الحياة الزوجية والتحديات التي قد تواجه الاسرة وكيفية التصدي لها.
وقال الدكتور جاسم المرزوقي خبير نفسي وأسري: «من الصعب على الزوجات الأجنبيات فهم تقاليد وثقافة المجتمع الإماراتي بشكل كامل، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى خلافات في القيم والتوقعات، فضلا عن أن الزواج من غير الإماراتية قد يؤدي إلى اختلال واضطراب في الهويات الثقافية لدى الابناء، مما قد يضعف الروابط الاجتماعية والثقافية التقليدية.
وأضاف أن الاختلاف في العادات والتقاليد بين الزوجين قد يتسبب في صراعات اجتماعية، خاصة في عملية تربية الأطفال، كما أن العائلات مختلطة الجنسيات قد تواجه تحديات في قبول المجتمع.
من جانبها قالت ناعمة الشامسي مستشارة نفسية وأسرية: نتيجة لبذل أحد الزوجين جهداً أكبر من الآخر للتكيف مع ثقافة الطرف الآخر، فإن ذلك يسبب ضغطاً نفسياً وشعوراً دائماً بالقلق والتوتر، يؤثر على العلاقة الأسرية بالإضافة إلى التوتر الناتج عن عدم تقبل الأهل والأقارب زواج ابنهم من غير الإماراتية.
وأضافت الشامسي إن ظاهرة الزواج من أجنبيات قد تتسبب بآثار سلبية على المرأة الإماراتية أيضاً، حيث تصبح فرص الزواج بالنسبة لها أكثر محدودية، وهذا الشعور بالإقصاء يؤثر سلباً على وضعها الاجتماعي والنفسي.
قوانين وتشريعات
بدوره قال سالم النار مستشار تنمية بشرية وأسرية، إن الإمارات سنت قوانين ووضعت تشريعات لتشجيع الشباب على الزواج من إماراتيات ويظهر ذلك جلياً في القانون الاتحادي بشأن تحديد المهر في عقد الزواج ومصاريفه، فضلاً عن مبادرة الأعراس الجماعية وأعراس مديم وأعراس دبي التي توفر الكثير من النفقات وتشجع الشباب على الزواج من إماراتيات.
وأضاف أن الزواج من أجنبيات يؤثر على هوية الأطفال الذين ينشأون في بيئات تتسم بتنوع ثقافي، حيث قد يجد الأبناء صعوبة في التكيف مع الثقافة الإماراتية أو اكتساب هويتهم الوطنية مما يجعلهم يعانون من فجوة ثقافية قد تجعلهم أقل ارتباطاً بالعادات والتقاليد المحلية.
انعكاسات اقتصادية
و قالت عفراء مبارك الحاي مدير إدارة الاستشارات الأسرية بجمعية النهضة بدبي: الزواج من غير الإماراتية قد يكون هرباً من تكاليف الزواج المرتفعة، إلا أنه قد يؤدي إلى تحويل الأموال إلى الخارج لدعم أسرة الزوجة أو الزوج أو زيارات لبلدهم.
مما قد يقلل من القدرة على الادخار أو الاستثمار داخل الدولة. وأضافت أن زواج الإماراتيين من أجنبيات والعكس، قد يؤدي إلى تغييرات في طبيعة الأنماط الاستهلاكية لهذه الأسر، مشيرة إلى أن هذا الزواج عادة يكون فاشلاً لأن معظمه يكون مبنياً على علاقة مادية.
وشددت الحاي على إيجابيات مبادرة الأعراس الجماعية التي تشترط زواج المواطن الإماراتي من إماراتية، مشيرة الى أعراس فترة العصر اختصرت الكثير من النفقات والتكاليف، وذلك بهدف تشجيع الزواج من إماراتيات وتقليل العنوسة.
اختلافات جوهرية
وأوضحت شما القمزي من محكمة الأحوال الأسرية بدبي، أن بعض الإحصاءات تشير إلى أن معدلات الطلاق ترتفع في حالات الزواج غير المتكافئ، نظراً لوجود اختلافات جوهرية في القيم والتوقعات الثقافية، مما يؤدي إلى صعوبات في التواصل والتفاهم، كما قد تنشأ الخلافات الثقافية حول قضايا مثل أسلوب التربية، أو العادات الاجتماعية، أو حتى الممارسات اليومية.
هذه الاختلافات يمكن أن تسهم في زيادة الصراع داخل الأسرة وتضعف الروابط الزوجية، مما يؤثر سلباً على الأطفال ويزيد من احتمالات انفصال الأبوين.