تعيين ماركو روبيو وزيرا لخارجية أمريكا كابوس للصين وإيران وفنزويلا

 يفتح اختيار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للسيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو لشغل منصب وزير الخارجية في الإدارة الأمريكية الجديدة، الطريق أمام احتمالات تغيير جذري في السياسة الخارجية الأمريكية سواء مقارنة بإدارة الرئيس الحالي جو بايدن أو حتى الولاية الأولى للرئيس المنتخب ترامب.

  تعيين ماركو روبيو وزيرا لخارجية أمريكا  

 

ففي تحليل مشترك نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية يقول الدكتور روبرت بوريل  الباحث الزميل في معهد الأمن القومي والعالمي بجامعة جنوب فلوريدا الأمريكية والدكتور أرمان محموديان  الباحث الزميل في المعهد والاستاذ المساعد في كلية جودي جينشافت بجامعة جنوب فلوريدا، إن روبيو يمكن أن يتبنى استراتيجية دعم المقاومة السلمية كوسيلة لتحفيز التغيير من الداخل في الدول الشمولية. فخلال سنوات وجوده في الكونجرس كان روبيو من المدافعين عن حقوق الإنسان إلى جانب تأييده للدعم الأمريكي لحركات المقاومة السلمية في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وآسيا.

ماركو روبيو وزير خارجية أمريكا  

وفي مقال نشره في مجلة الشؤون الدولية عام 2020، طالب روبيو بالدعم الأمريكي للحركات الاحتجاجية الشعبية مثل الاحتجاجات المناوئة للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو والحركة الخضراء في إيران وحركة المظلة في هونج كونج. لذلك يتوقع بوريل ومحموديان في تحليلهما أن تحاول إدارة ترامب الجديدة مع تعيين روبيو وزيرا للخارجية أن تحاول استعادة الديمقراطية في فنزويلا وإطلاق حملة لتغيير نظام الحكم في إيران من خلال حركات مثل حركة “المرأة، الحياة، الحرية” وإطلاق حملة أوسع وأكثر دقة للتأثير على سلوك الحزب الشيوعي الحاكم في الصين من خلال تسليط الضوء على انتهاكاته لحقوق الإنسان في جميع أنحاء الصين.  ولتنفيذ هذه الأجندات، يتعين على الولايات المتحدة أن تركز في الوقت نفسه على تمكين حركات المقاومة وإضعاف قدرة هذه الدول على الصمود وقدرتها على مواصلة القمع الجماعي.

وفي حالة فنزويلا، يحتاج إسقاط نظام حكم مادورو المناوئ للولايات المتحدة، استمرار الضغط الأمريكي عليه، من خلال تقليص عائدات فنزويلا من الطاقة باعتبارها عنصرا حاسما بالنسبة له. ويعني هذا ضرورة الإبقاء على العقوبات على قطاعي النفط والبنوك الفنزويليين وتشديدها. علاوة على ذلك فإن تحول فنزويلا إلى صديقة لخصوم الولايات المتحدة،  بما في ذلك إيران وروسيا والصين وحزب الله ، يجعلها بمثابة تهديد أمني كبير للولايات المتحدة.  وفي ضوء هذا، ينبغي للبيت الأبيض أن ينظر في اتخاذ تدابير استثنائية، بما في ذلك القيام بعمليات سرية وعلنية، لإضعاف قدرة النظام على الصمود.

علاوة على ذلك فإن، يجب على الولايات المتحدة زيادة الدعم والاتصالات السياسية مع إدموند جونزاليز الرئيس الفنزويلي المنتخب في المنفى، مع اتخاذ نفس الإجراءات لدعم زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي تختبئ حاليًا داخل فنزويلا.  فالدعم الأمريكي العلني لهذه الشخصيات المعارضة لا يضفي شرعية أكبر على قضيتهم فحسب، بل يطمئن الفنزويليين أيضًا إلى أنه في حقبة ما بعد مادورو، ستحظى بلادهم بدعم حليف مستقر وقوي ولن يتم تركها في حالة من الفوضى. في الوقت نفسه فإن فنزويلا حاليا تمثل الحلقة الأضعف في مجموعة الأنظمة الاستبدادية المعادية للمصالح الأمريكية.

وبعد فنزويلا تأتي إيران في قائمة الخصوم المستهدفين للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث يسيطر العداء على علاقة واشنطن وطهران منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وطوال تلك السنوات حاولت الولايات المتحدة تطبيق استراتيجيات مختلفة لدعم مقاومة الشعب الإيراني ضد القمع. ومع ذلك، فإن التناقض، والاستجابات المتأخرة، والافتقار إلى المثابرة أعاقت الدعم الأمريكي الفعال. على سبيل المثال، انتقد روبيو إهمال إدارة أوباما للحركة الخضراء في عامي 2009 و 2010، وهو الضعف الذي تكرر في دعم إدارة بايدن الفاتر لحركة المرأة والحياة والحرية في عام 2022.

ويرى بوريل ومحموديان أن  الإدارة الأمريكية الجديدة لديها فرصة سانحة لتحقيق التغيير الذي تنشده في إيران نظرا لتراجع قدرة النظام الإيراني الحاكم على الصمود  في ظل العقوبات الشديدة، والاحتجاجات الواسعة النطاق في إيران، والصراع المستمر في الشرق الأوسط.  وفي هذا السياق، في حين يجب استمرار  الضغط الأمريكي على النظام الإيراني من خلال استهداف مصادر عائداته المالية، ينبغي على واشنطن أيضًا اتباع نهج أكثر مباشرة لمساعدة جهود المقاومة الإيرانية. على سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة أن توفر للإيرانيين إمكانية الوصول إلى خدمات الإنترنت المجانية، كما فعلت مع الأوكرانيين لدعم احتجاجاتهم الشعبية.

كما يقترح بوريل ومحموديان قيام الولايات المتحدة بإجراءات  تستهدف زيادة تكلفة دعم النظام الحاكم الإيراني أو المشاركة فيه، من خلال توسيع نطاق العقوبات الأمريكية لتستهدف الشخصيات الموالية للنظام الإيراني وملاحقتهم في الدول الغربية التي يترددون عليها سواء لأسباب طبية أو شخصية أو تجارية. ويشير المحللان إلى سابقة حدثت في عام 2019 عندما اعتقلت السويد وحاكمت وأفرجت لاحقًا عن حميد نوري، وهو شخصية رئيسية في إعدام السجناء السياسيين الإيرانيين عام 1988.

في الوقت نفسه، وفي حين تدعم الولايات المتحدة مقاومة الشعب الإيراني، على البيت الأبيض تجنب الإجراءات التي قد تثبط عزيمة المقاومة. على سبيل المثال، فإن فرض حظر سفر واسع النطاق على الشعب الإيراني لا يؤدي إلى إحباطه فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى تغذية دعاية النظام الإيراني المعادية لأمريكا.

ثم يأتي الهدف  الأخي ة والأكثر أهمية في استراتيجية دعم المقاومة المنتظر تبني الخارجية الأمريكية لها في ظل ماركو روبيو وهو محاولة تغيير سلوك الحزب الشيوعي الحاكم في الصين والذي تتهمه واشنطن بممارسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد  أقلية الأويغور المسلمة وسكان إقليم التبت.   ويتعين على روبيو أن يسلط الضوء على هذه الانتهاكات الصينية والتعامل معها بشكل شامل.  وقال روبيو في وقت سابق “يمكن أن يتخذ الدعم من جانب الولايات المتحدة (لحقوق الإنسان في الصين) أشكالاً عديدة، بما في ذلك بيانات الدعم المعنوي، وفرض عقوبات موجهة على أولئك الذين يقمعون حرية التعبير والتجمع السلمي، وتطوير أدوات الوصول إلى الإنترنت لمكافحة الرقابة، وتوفير ملاذ آمن للمضطهدين”.

أخيرا فإن تعيين ماركو روبيو وزيرا للخارجية ستكون له تأثيرات كبيرة على الأمن القومي الأمريكي. فلأول مرة منذ الحرب الباردة، قد تتبنى الولايات المتحدة  حملة لدعم المقاومة، ليس ضد الشيوعية وإنما ضد الأنظمة الشمولية في العالم، بحسب بوريل ومحموديان. ومن الممكن أن تثبت هذه الاستراتيجية فعاليتها إلى حد كبير، مع البدء بالتركيز على أنظمة الحكم في فنزويلا وإيران والصين.