توزيع الأضحية حسب الشرع: دليل شامل لتحقيق رضى الله وإسعاد المحتاجين


تعتبر الأضحية من الأعمال العظيمة التي يُعبر من خلالها المسلم عن شكره لله تعالى على نعمه،ولقد أرسى الله سبحانه وتعالى أسس توزيع الأضحية عبر القرآن الكريم والصحيح من الأحاديث النبوية السليمة،تجتمع في الأضحية معاني التضحية والعطاء، وتتداخل فيها الجوانب الروحية والاجتماعية،وفي هذا المقال، سنسلط الضوء على كيفية توزيع الأضحية وفق الشريعة الإسلامية والآراء الفقهية حولها، وماهي الشروط والسنن المتبعة في هذا السياق، بالإضافة إلى فئات المستحقين،ونسعى من خلال هذا البحث إلى تقديم رؤية شاملة تساعد المسلمين في تطبيق شعائرهم الدينية بشكل سليم.

توزيع الأضحية حسب الشرع

حظيت الأضحية باهتمام كبير من الفقهاء، إذ اختلف الأئمة الأربعة في بعض الأحكام التي تتعلق بكيفية توزيع الأضحية،فعلى الرغم من أنهم اتفقوا على وجوب توزيع الأضحية، إلا أن كل إمام استند إلى فهما الخاص للأحاديث النبوية، مما أسفر عن ثلاث آراء رئيسية حول طريقة التوزيع.

1- قول الشافعية

يرى الإمام الشافعي أن الأفضل هو توزيع الجزء الأكبر من الأضحية على الفقراء والمحتاجين، وذلك عبر إعطائهم النصيب الأكبر، في حين يتوجب على صاحب الأضحية أن يأكل القليل منها،وهذا الرأي ينطلق من أن الغرض الرئيسي من الأضحية هو تنفيذ واجب إطعام الفقراء والمساكين، مما يعزز المساعدة الاجتماعية والإحسان بين الناس.

2- قول الحنابلة والحنفيّة

تشير آراء الحنابلة والحنفية إلى ضرورة تقسيم الأضحية إلى ثلاثة أثلاث، بحيث يكون ثلث للفقراء والمحتاجين، وثلث يُحتفظ به للشخص المضحي، وثلث آخر يمكن توزيعه على الأقارب والمعارف كهدية،وهذه المقاربة تعزز من مفهوم المشاركة في الخير وتوسع من دائرة المستفيدين.

3- قول المالكية

تعتبر آراء المالكية الأكثر مرونة، إذ يرون أنه لا توجد قاعدة صارمة لقسمة الأضحية، وبالتالي فإن المضحي لديه الحرية الكاملة في كيفية توزيع أضحيته،يمكنه اتخاذ القرار بأن يأخذ الأضحية بالكامل لنفسه، أو توزيع جزء منها، وفقًا لما يراه مناسبًا،وهذا يعد انعكاسًا لفهمهم الشخصي لكيفية تجسيد العطاء.

شروط توزيع الأضحية

تعددت الشروط التي يجب على المضحي الالتزام بها لضمان صحة الأضحية وامتثالها لما ورد في الشريعة،ولابد من فهم هذه الشروط بوضوح قبل الشروع في أي خطوة تتعلق بتوزيع الأضحية.

  • توجب أن يكون المضحي مسلمًا، بالغًا وعاقلًا.
  • يجب أن يكون الحيوان المضحى به خاليًا من العيوب التي تؤثر على صحة التضحية.
  • يتعين إخلاص النية قبل البدء بعملية التضحية والالتزام بكافة الأحكام الشرعية، كاستقبال القبلة والتأكد من استخدام الأدوات المناسبة للذبح.

السنن المتبعة في توزيع الأضحية

هناك سنن متعددة يجب على المضحي أن يتبعها أثناء توزيع الأضحية،يعتبر التعرف على هذه الآداب جزءًا أساسيًا من أداء هذه الشعيرة الدينية، حيث تحقق هذه الأفعال تكامل الفهم وتعميق الأثر الروحي لهذه العبادة.

  • من السنة أن يقوم المضحي بنفسه بتوزيع الأضحية على الفقراء والمحتاجين، مما يعزز من قيمة المشاركة المباشرة.
  • يفضل أن يتم تقسيم الأضحية إلى قطع صغيرة، لتسهيل عملية توزيعها واستفادة المستحقين منها دون الحاجة لمزيد من الجهد.
  • يستحب توزيع الأضحية إلى أثلاث متساوية، بحيث يحصل الفقراء على جزء والمضحي على جزء، بالإضافة إلى جزء ثالث للأقارب والأصدقاء.

الفئات المستحقة للأضحية

بالنظر إلى النصوص الدينية والسنة النبوية، يتضح أن هناك فئات معينة من الناس يستحقون الأضحية، ويجب أن تؤخذ هذه الفئات بعين الاعتبار عند توزيع الأضحية.

  • الأقارب والأصدقاء.
  • المعارف والجيران.
  • الفقراء والمحتاجين بشكل عام.
  • الجمعيات والمؤسسات الخيرية، التي تسهم في تقديم المساعدات للمحتاجين.

رأي الأئمة في التصدق من الأضحية

تباينت الآراء بين الأئمة في حكم تصدق المضحي من الأضحية، مما يعكس اختلاف الفهم الديناميكي لمسؤوليات المضحي خلال هذه الشعيرة العظيمة.

1- قول الشافعية والحنابلة

يرى الشافعية والحنابلة أنه يجب على المضحي أن يتصدق بشيء من أضحيته، مشيرين إلى أن الأصل في الأضحية هو إطعام المحتاجين، وأن الأضحية لا تكون كاملة إذا لم تتم هذه العملية.

وقد استدلوا بآيات قرآنية تشير إلى ذلك، مثل قوله تعالى “فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير”

2- قول المالكية والحنفيَة

أما المالكية والحنفية، فقد ذهبوا إلى أن التصدق من الأضحية أمر مستحب وليس واجباً، مع ترك ذلك للمضحي ليقرر ما إذا كان يرغب في القيام بذلك أم لا،وقد استندوا إلى أن الله قد شرع الأضحية تقربًا له.

حكم أكل الأضحية الواجبة وغير الواجبة

يختلف الحكم بشأن أكل الأضحية بين كونها واجبة أو غير واجبة، مما يستدعي استعراض الآراء الفقهية حول الأمر واستنتاج ما يناسب كل حالة.

أولًا حكم أكل الأضحية الغير واجبة

  • يتفق العلماء على استحباب تناول الأضحية الغير واجبة، التي يُقدّر ذبحها لإطعام الفقراء أو أي سبب آخر دون وجود واجب شرعي.
  • فقد استند الأئمة الأربعة على قوله تعالى “فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر”.
  • وينبغي أيضًا أن يستندوا إلى قوله صلى الله عليه وسلم “إذا ضحى أحدكم فليأكل من أضحياته”.

ثانيًا حكم الأكل من الأضحية الواجبة

تعرف الأضحية الواجبة على أنها تلك التي يجب على المضحي التقرب بها إلى الله، وغالبًا ما تكون نتيجة لنذر قد تم الوفاء به،وقد اختلفت آراء العلماء حول حكم تناول المضحي من الأضحية الواجبة إلى ثلاث آراء معروفة.

1- قول الحنابلة والشافعية

يجمع كل من الحنابلة والشافعية على أنه لا يجوز للمضحي الأكل من الأضحية الواجبة، بدعوى أنها واجبة وبالتالي تفقده الأحقية في تناولها.

2- قول الحنفيّة

ينظر الحنفيّة إلى أنه يجوز للغني الأكل من الأضحية الواجبة، شريطة أن يكون النذر قد تم استيفاؤه بشكل يتم وفق ما ينص عليه الشرع.

3- قول المالكية

تؤكد المالكية على جواز أكل المضحي من الأضحية الواجبة، مع التأكيد على ضرورة توزيع جزء منها للفقراء والمحتاجين،تعكس هذه المبادئ فهمهم العميق لمسؤوليات المضحي وحقوق المستحقين.

تتضمن الشريعة الإسلامية مجموعة واضحة من الأحكام المتعلقة بالأضحية، بما في ذلك كيفية توزيع الأضحية حسب الشرع،ويستند الأئمة الأربعة في آرائهم إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، مما يعكس دور هذه العبادة في تعزيز قيم العطاء والتكافل في المجتمع الإسلامي.