الصبح أخبار – مؤمن الجندي يكتب: جراحة دقيقة
في لحظة ما، يجد الإنسان نفسه على حافة مفترق طرق، بين درب العاطفة الحار المتقد، ودرب المصلحة الباردة الحاسبة.. حين تتعارض الفائدة العقلانية مع المشاعر الجياشة، يصبح القرار أشبه بجراحة دقيقة لا مجال فيها لخطأ، لأن كل ميلان نحو أحد الطرفين قد يُحدث جرحًا لا يندمل في الروح أو في الواقع.
الإنسان بطبعه كائن عاطفي، تتحرك دواخله بدوافع الحب، الولاء، الخوف، والتعاطف.. لكنه، في ذات الوقت، يسير في عالم لا يعترف بالقلوب وحدها، بل يضع المعايير والمصالح فوق كل اعتبار.. هنا، تتجلى المعضلة الكبرى أيهما أقوى؟ صوت القلب أم صوت المنطق؟ ومن يربح عندما يحتدم الصراع بينهما؟
المسؤول، أيًا كان موقعه، يواجه هذه المعادلة كل يوم.. فهو ليس مجرد إنسان يتأثر بالمشاعر، بل قائد يجب أن يحكم الميزان بين العاطفة والضرورة، بين ما يريده الناس وما تحتاجه الحقيقة.. قراراته ليست شخصية، بل ذات تبعات تطال الكثيرين! وحين يأتي القرار مخالفًا للعاطفة العامة، يصبح سيف النقد مسلطًا عليه، وهنا يكون الامتحان الأصعب كيف يواجه العاصفة دون أن تهتز يده؟
ومن وجهة نظري، أرى مجلس إدارة الأهلي في مأزق معقد منذ فترة، بين منطق المصلحة ونداء العاطفة في مسألة الاستغناء عن التونسي علي معلول.. فمن ناحية، يفرض الواقع الرياضي والاقتصادي ضرورة توجيه الشكر له بعد سنوات من العطاء، لكن على الجانب الآخر، يقف التاريخ شاهدًا على ما قدمه معلول للقلعة الحمراء، لاعبًا استثنائيًا صنع الفارق في لحظات حاسمة، وبينما يرى القرار الإداري أن التجديد سنة الحياة، ينبض الشارع الأهلاوي برغبة الإبقاء عليه، وفاءً لمسيرته وتقديرًا لما قدمه. وهكذا، يتحول القرار من مجرد خطوة رياضية إلى اختبار لقدرة الإدارة على الموازنة بين ما تفرضه المصلحة وما يطالب به الجمهور، في معادلة شديدة التعقيد لا تخلو من العاطفة والتحدي.
على صخرة العقل
الجماهير عاطفية بطبيعتها.. تحكم من قلبها، تنفعل بسرعة، وترى الأمور من زاويتها الخاصة! قد ترى في القرار ظلمًا، غدرًا، أو خيانة، دون أن تدرك الأبعاد الأوسع.. فكيف يتحكم صاحب القرار في نفسه عندما يعرف أن حكمه، رغم صوابه، سيجلب عليه سخط الناس؟
القائد الناجح ليس من ينحني أمام العاصفة، بل من يثبت على صخرة العقل، حتى وإن علا هدير الجماهير.. فهو يعلم أن الزمن كفيل بكشف الحقائق، وأن من يهاجمونه اليوم قد يحيونه غدًا على حكمته.
لكن المعركة الأصعب ليست مع الجماهير، بل مع النفس.. فحتى المسؤول القوي يملك قلبًا يخفق، وروحًا تميل للتعاطف! أن تنتصر على العاطفة لا يعني أن تقتلها، بل أن تهذبها، أن تجعلها تابعة للحكمة لا قائدة لها.
في النهاية، إنها معادلة دقيقة، فحين يسود العقل وحده، يصبح القرار بلا روح، وحين تحكم العاطفة وحدها، يصبح القرار بلا منطق! الفوز الحقيقي هو تحقيق التوازن، حيث لا تُطغى الرحمة على العدل، ولا يقتل المنطق الإحساس.. القرار الأثقل هو القرار الذي يحمل العاطفة في قلبه، لكنه لا ينحني لها.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
إرسال التعليق