الصبح أخبار – الأمن المائي والغذائي في مرمى التهديدات المناخية
الدوحة – سيف الحموري – لم يعد التغير المناخي مجرد أزمة عابرة يمكن تجاوزها بسهولة بل بات يشكل تحديا عالميا معقدا وخطيرا إلى حد بعيد، فكوكب الأرض يشهد تغيرات مناخية غير مسبوقة تنذر بخطر كبير على البشرية في حاضرها ومستقبلها، وهو خطر يهدد جميع جوانب الحياة على الكوكب من الصحة العامة إلى الاقتصاد وحتى الأمن الغذائي والمائي.
هذه المخاوف المتصاعدة من أزمة المياه والغذاء عالميا بسبب التغيرات المناخية كانت محل نقاش الخبراء في “المؤتمر الدولي حول الأمن المائي والغذائي في مواجهة تغير المناخ التحديات والفرص” الذي تنظمه جامعة الدوحة للعلوم والتكنولوجيا حاليا.
ويسلط المؤتمر الضوء على الحلول المبتكرة للتحديات المرتبطة بالأمن المائي والغذائي نتيجة تغير المناخ وذلك استجابة لأهداف التنمية المستدامة العالمية التي وضعتها الأمم المتحدة ومنها الهدف الثاني المتمثل في القضاء التام على الجوع، والهدف السادس وهو المياه النظيفة والنظافة الصحية، وكذا الهدف الثالث عشر المعني بالعمل المناخي.
ويأتي هذا المؤتمر الدولي في وقت يحاول فيه العالم بناء استراتيجيات للتكيف والصمود في وجه آثار وتداعيات التغير المناخي الذي يمثل تحديا كبيرا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 التي توافق عليها العالم في العام 2015 حيث تؤثر التغيرات المناخية على الموارد الطبيعية مما يعوق الجهود المبذولة في مجالات مثل القضاء على الفقر، وتحقيق الأمن الغذائي، وضمان المياه النظيفة، وتعزيز الصحة العامة.
وقد أظهر تقرير عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم الذي أصدرته الأمم المتحدة أن حوالي 9.1 في المئة من سكان العالم يعانون من نقص التغذية المزمن، ما يعادل 733 مليون شخص، وهو ارتفاع بنسبة 36 في المئة مقارنة بعقد مضى وهو ما يعكس تباطؤا في الجهود المبذولة لمكافحة الجوع عالميا.
على صعيد الأمن المائي عالميا، فإن الأرقام تبعث على القلق، فأكثر من 4 مليارات شخص في العالم يعانون من ندرة شديدة في المياه لمدة شهر واحد من العام على أقل تقدير، هذا بالإضافة الى ما كشفه تقرير اللجنة العالمية لاقتصاديات المياه 2024 أن نصف سكان العالم حاليا في مناطق تعاني من ندرة المياه، ومن المتوقع أن يتجاوز الطلب العالمي على المياه العذبة العرض بنسبة 40 % بحلول عام 2030.
ويصف الخبراء بأن شح المياه يقع في صميم تحدي التغير المناخي، لاسيما مع ارتفاع درجة الحرارة، وتزايد منسوب مياه البحار والمحيطات وذوبان القمم الجليدية لتصبح المياه موردا نادرا ينذر بأزمات سياسية واقتصادية لا تحمد عواقبها.
ويؤكد الدكتور جيفري ماكدونيل خبير في شؤون المياه ومدير مشارك بالمعهد العالمي لأمن المياه في جامعة ساسكاتشوان الكندية، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، على وجود ارتباط بين التغيرات المناخية والأزمات المتعلقة بالمياه والغذاء عالميا.
وفيما يتعلق بالمياه، أوضح أن هناك مشكلة تثير نقاشا بين الخبراء حتى في هذا المؤتمر الذي تستضيفه جامعة الدوحة للعلوم والتكنولوجيا، وتتمثل هذه المشكلة حول تكثيف دورة المياه وحقيقة أن هطول الأمطار والفيضانات يتزايدان في شدتهما وحجمهما كما تتزايد في الوقت نفسه موجات الجفاف، “لذا فإن الأمر يتعلق بمشكلة مزدوجة تتمثل في كثرة المياه وقلة المياه”.
وأبرز أنه بـ”طبيعة الحال يتطلب هذا الأمر حلولا جديدة مرتبطة بكفاءة أكبر في الري، فالزراعة تستهلك عادة نحو 80% من المياه المتاحة لدينا، وهذا يشكل تحديا كبيرا لجميع البلدان، وخاصة في المناطق القاحلة”، مضيفا: “أستطيع القول إن تغير المناخ له تأثير سلبي للغاية على إمكانية وصول المزارعين والأنشطة الزراعية إلى المياه، وهو ما يؤثر بلا شك على إنتاج الغذاء”.
من جانبه، نبه الدكتور أمين إسماعيلي أستاذ تكنولوجيا الهندسة الكيميائية من جامعة الدوحة للعلوم والتكنولوجيا، في تصريح مماثل لـ”قنا”، إلى أن أحد التأثيرات الرئيسية لتغير المناخ هو زيادة العواصف الجوية والعواصف الممطرة إلى جانب زيادة في عدد المناطق التي تعاني من نقص المياه “لذا، فإن هذا يؤثر بشكل كبير على الأنشطة الزراعية وهو ما يهدد الأمن الغذائي عالميا ومنها المنطقة العربية”، لافتا إلى ما تواجهه المنطقة العربية من ضغوط هائلة بسبب التغير المناخي وتداعياته على الأمن المائي والغذائي، وهو ما يستدعي حولا عاجلة واستباقية لمواجهة هذا التحدي.
وبين أنه “بسبب بعض الأزمات والصراعات بالمنطقة بالإضافة إلى تأثيرات تغير المناخ، فإن هذين الأمرين معا يمكن أن يؤثرا بشكل كبير على إنتاج الغذاء والأنشطة الزراعية في البلدان العربية، وإذا لم يكن هناك تخطيط فوري لمواجهة ذلك فسنشهد المزيد من التأثيرات مستقبلا”.
وأشار الدكتور إسماعيلي إلى العديد من المبادرات العالمية لمعالجة تأثيرات تغير المناخ، لكنه يرى أن الأمر يحتاج إلى المزيد من التعاون الدولي شريطة أن تكون الدول كافة متفقة على النهج والخطوات المطلوبة لمواجهة التغيرات المناخية وتداعياتها على الأمن والغذاء.
بدورها، أكدت السيدة لولوة الكواري الباحثة بوزارة البيئة والتغير المناخي على أهمية الشراكات الدولية في مساعدة المناطق القاحلة على تبني حلول مبتكرة لمواجهة تحديات المناخ، مشددة على أهمية التعاون مع المنظمات الدولية والمؤسسات البحثية والمبتكرين من القطاع الخاص لدفع تطوير وتنفيذ التقنيات المتطورة المصممة للتخفيف من آثار المناخ.
ونوهت إلى أنه بإمكان دولة قطر بحكم خبرتها وموقعها ودورها النشط على المستويين الإقليمي والدولي تعزيز مثل هذه الشراكات ودعمها لتبني حلول قادرة على الصمود في وجه تغير المناخ، إلى جانب تعزيز ودعم الجهود البحثية العالمية لاسيما تلك التي تركز على إنتاج محاصيل مقاومة للجفاف، أو تقنيات تبريد متقدمة، أو مواد بناء مستدامة مصممة خصيصا للحرارة الشديدة والعواصف الرملية بالنظر إلى خبرتها وممارستها في هذا المجال.
إلى ذلك، لفت السيد كازوكي كيتاوكا مدير مكتب الشباب والمرأة في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” على مواجهة العالم تحديات حقيقية في مجال الأمن المائي والغذائي ما يتطلب جهودا مدروسة لمواجهتها حيث يلعب الشباب دورا رائدا في هذه الجهود.
وقال “نؤكد على دور الشباب في تطوير الاستراتيجيات والحلول لتطوير أنظمة الأغذية الزراعية بما في ذلك إدارة المياه بالطبع، والاستجابة لتغير المناخ والتكيف معه والتخفيف من آثاره”، منوها إلى أنه ينظر للشباب باعتبارهم قوى محركة للإبداع والابتكار حيث يأمل أن يجتمع الشباب من البلدان معًا لإطلاق شراكات ومبادرات بالتعاون مع الجهات الفاعلة في القطاعين الحكومي والخاص للخروج بحلول واقعية للتحديات المعقدة والصعبة للغاية التي تواجه مستقبل الأمن المائي والغذائي في العالم.
وتتجلى حقيقة يؤكد عليها الخبراء والباحثون مفادها أن الأمن المائي والغذائي أصبح في مرمى التهديدات المناخية، وأنه لا توجد دولة بمنأى عن هذه التهديدات مع تفاوت تأثيرها على هذه الدول بالنظر إلى سرعة الاستجابة والقدرة على التكيف وتطبيق استراتيجيات ممنهجة ومدروسة لمواجهة هذه التهديدات.
كما يجمع الخبراء على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة للتكيف مع هذه التهديدات، من خلال تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتطوير استراتيجيات فعالة للتخفيف من آثار التغير المناخي، فضلا عن تعزيز التعاون بين الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمعات المحلية لضمان تحقيق الأمن الغذائي والمائي للجميع، وخاصة في المناطق الأكثر عرضة لهذه التهديدات.
إرسال التعليق