الصبح أخبار – 25 مليون برميل تُعيد تشكيل خريطة الطاقة وتُقلق الدول الكبرى


الرياض – ياسر الجرجورة في السبت 8 فبراير 2025 06:07 مساءً – أعلنت النرويج عن اكتشافٍ يُوصف بأنه “الأضخم في تاريخ صناعة النفط”، حيث تم العثور على بئر نفطي عملاق يحتوي على احتياطيات تُقدَّر بـ25 مليون برميل من النفط المكافئ في بحر النرويج. الاكتشاف، الذي نفذته شركة “إكوينور” النرويجية بالتعاون مع شركاء دوليين، يُتوقع أن يُحدث زلزالاً في أسواق الطاقة العالمية، معيداً تشكيل التحالفات الاقتصادية وتوازنات القوى، خاصة في ظل المنافسة الحادة بين الولايات المتحدة وروسيا على الهيمنة في هذا القطاع الحيوي.  

تفاصيل الاكتشاف: موقع استراتيجي وتقنيات متطورة  

يقع البئر المكتشف، الذي يحمل الرمز “6406/2-H-L”، على بعد 260 كيلومتراً جنوب غرب مدينة برونويسند النرويجية، ضمن منطقة تُعد من أغنى الأحواض الرسوبية في العالم. وباستخدام منصة الحفر شبه الغاطسة “سبيتسبيرغين” التابعة لشركة “ترانس أوشن”، تمكَّن العلماء من تحديد عمود غازي بسمك 30 متراً في تكوين “تيلجي”، المعروف بصفات صخوره النفطية ذات النفاذية العالية، مما يسهل استخراج النفط بكفاءة. وأكدت التقارير الأولية أن الاحتياطيات المكتشفة تكفي لتلبية احتياجات دول الاتحاد الأوروبي من النفط لأكثر من 6 أشهر، وفق معدلات الاستهلاك الحالية.  

النرويج تكتشف "الكنز الأسود" الأكبر عالمياً: 25 مليون برميل تُعيد تشكيل خريطة الطاقة وتُقلق الدول الكبرى

النرويج: لاعب رئيسي جديد في ساحة الطاقة العالمية  

تُعَد النرويج بالفعل أحد أكبر مصدري النفط والغاز في العالم، حيث تزوِّد أوروبا بنحو 25% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. لكن هذا الاكتشاف الضخم سيرفع إنتاجها النفطي بنسبة 15% خلال السنوات الخمس المقبلة، وفق تقديرات خبراء الطاقة. وتُعلق الحكومة النرويجية آمالاً كبيرة على هذا المشروع في تعزيز مكانتها كـ”قلب نابض” لأمن الطاقة الأوروبي، خاصة في ظل الأزمة المستمرة مع روسيا، التي خفضت إمدادات الغاز إلى القارة بشكل متكرر منذ عام 2022.  

تهديد مباشر للولايات المتحدة وروسيا: معادلة القوى تتغير  

يأتي هذا الاكتشاف في توقيت بالغ الحساسية، حيث تواجه الدولتان العُملاقتان – الولايات المتحدة وروسيا – تحديات اقتصادية وسياسية مرتبطة بصادرات النفط. فمن ناحية، قد تفقد روسيا، التي تعتمد على عائدات الطاقة لتمويل 40% من ميزانيتها، حصتها السوقية في أوروبا لصالح النرويج. ومن ناحية أخرى، ستواجه الولايات المتحدة، التي أصبحت أكبر منتج للنفط الخام عالمياً في 2023، منافسة شرسة في الأسواق الآسيوية والأفريقية، حيث تسعى النرويج لتعزيز وجودها عبر عروض أسعار تنافسية.  

تأثيرات متوقعة على الأسعار والاقتصاد العالمي  

يتوقع محللون أن يؤدي زيادة المعروض النفطي النرويجي إلى خفض الأسعار العالمية بنسبة تتراوح بين 8% و12% خلال العام المقبل، مما يُخفف من أعباء الدول المستوردة مثل الهند والصين. لكن هذا الانخفاض قد يُشكل تحدياً للدول المنتجة في الشرق الأوسط، خاصة السعودية التي تعتمد على النفط في 70% من إيراداتها. ومن جهة أخرى، قد تُسرع دول الخليج من خطط تنويع اقتصاداتها، كما جاء في رؤية السعودية 2030، لتجنب مخاطر التقلبات النفطية.  

ردود الفعل الدولية: بين التفاؤل والقلق  

أعرب الاتحاد الأوروبي عن ترحيبه بالاكتشاف، واصفاً إياه بـ”نقلة نوعية نحو تحقيق الاستقلال الطاقي”. في المقابل، عبّرت روسيا عن قلقها من خلال تصريح لوزير الطاقة الروسي: “السوق العالمية لا تحتاج لمزيد من الإمدادات في ظل الركود الاقتصادي الحالي”. أما الولايات المتحدة، فقد دعت إلى “تعاون دولي” لضمان استقرار الأسواق، بينما نفت السعودية تأثر خططها الاستثمارية، مؤكدة أن “النفط العربي سيظل الأقل تكلفة والأعلى جودة”.  

تحديات بيئية.. هل تتعارض مع اتفاقيات المناخ؟  

رغم الأهمية الاقتصادية للاكتشاف، إلا أنه أثار تساؤلات حول التزام النرويج باتفاقية باريس للمناخ، التي تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون. وقد دافع رئيس الوزراء النرويجي عن القرار بالقول: “النفط النرويجي سيُساعد في تمويل التحول الأخضر، عبر استثمار عائداته في مشروعات الطاقة المتجددة”. لكن نشطاء البيئة وصفوا الخطوة بأنها “تناقض صارخ”، مشيرين إلى أن استغلال الحقل الجديد سيُطلق 1.2 مليار طن من الكربون خلال عمره الافتراضي.  

مستقبل الطاقة: صراع بين الفرص والمخاطر  

يُعيد هذا الاكتشاف الجدل حول مستقبل الطاقة في عالم يتجه نحو التقنيات النظيفة. فمن ناحية، يُظهر أن النفط سيظل مصدراً حيوياً لعقود قادمة، خاصة مع تزايد الطلب من قطاعات مثل الطيران والصناعات الثقيلة. ومن ناحية أخرى، يُذكِّر بضرورة تسريع وتيرة الابتكار في مجالات مثل الهيدروجين الأخضر وتخزين الطاقة، لتجنب كوارث مناخية.  

النرويج تكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الطاقة  

لا شك أن اكتشاف النرويج سيترك بصمته على الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية العالمية. فبينما تستعد أوسلو لتصدير أول شحنة من النفط الجديد بحلول 2027، تُواجه الدول المنتجة التقليدية سؤالاً مصيرياً: كيف ستتعامل مع عصرٍ لم تعد فيه الهيمنة الطاقوية حكراً على أحد؟ الإجابة قد تحدد ملامح القرن الحادي والعشرين.  

 

حاصله علي كلية الاعلام جامعة القاهرة أعمل في الصحافة منذ 2019 امتلك خبرة في الصحافة الإلكترونية وهوياتي الرسم والسباحة أحب الإطلاع على كل جديد في الحياة.

إرسال التعليق

You May Have Missed