الصبح أخبار – نمو كبير للاستثمارات القطرية في مصر .. وآفاق جديدة لفرص تعاون مستقبلية
الدوحة – سيف الحموري – شهدت العلاقات القطرية – المصرية تطورا كبيرا على الصعيد الاقتصادي خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لا سيما في مجال الاستثمار، بما أسهم في الارتقاء بحجم التبادل التجاري بين دولة قطر وجمهورية مصر العربية، وزيادة الاستثمارات المتبادلة القائمة على نجاح دولة قطر في تنويع اقتصادها، وكذلك الفرص الاستثمارية الكبيرة التي تتمتع بها مصر في مختلف المجالات، وسط مساع حثيثة لتوسيع الاستثمارات بين البلدين الشقيقين في مجالات مهمة خلال الفترة المقبلة.
في هذا الإطار، كثفت كل من قطر ومصر المحادثات والزيارات المتبادلة لدفع التعاون في مجال الاستثمار، والتي كان آخرها زيارة سعادة الفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل المصري، إلى الدوحة، الأسبوع الجاري، للمشاركة في الاجتماع الخامس للجنة العليا للشراكة الصناعية التكاملية، حيث اجتمع مع سعادته، على هامش هذا الاجتماع، سعادة الشيخ محمد بن عبدالله بن محمد آل ثاني وزير المواصلات، وجرى استعراض علاقات التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات المواصلات والنقل والمواني، ومناقشة كافة السبل لدعمها وتطويرها، لا سيما استغلال التقنيات الصديقة للبيئة في مجالات خدمات النقل البري وتطوير أنشطة الملاحة البحرية.
وفي ذات السياق، اجتمع سعادة الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني رئيس غرفة قطر مع نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، بحضور المهندس محمد زكي السويدي، رئيس اتحاد الصناعات المصرية، وسعادة السيد عمرو الشربيني سفير مصر لدى الدولة، حيث لفت سعادة الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني، خلال الاجتماع، إلى أن هنالك تنسيقا متواصلا بين غرفة قطر واتحاد عام الغرف التجارية المصرية لتعزيز التعاون في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتعزيز الروابط بين رجال الأعمال من البلدين، بما يسهم في تنشيط الاستثمارات المشتركة والمتبادلة، وبالتالي رفع مستوى التبادلات التجارية، مشيرا إلى أن حجم التبادل التجاري بين قطر ومصر ارتفع بنسبة 38 بالمئة خلال العام الماضي، إذ بلغت قيمته نحو 746 مليون ريال قطري مقابل 540 مليون ريال في العام 2023.
ومن جانبه، ذكر سعادة الفريق كامل الوزير أن هناك العديد من الحوافز والتسهيلات التي تضعها مصر للمستثمرين القطريين، بما في ذلك سرعة تخصيص الأراضي الصناعية واستخراج التراخيص في نفس اليوم، مشيرا إلى وجود 23 فرصة استثمارية في القطاع الصناعي المصري، تشمل صناعات تحتاجها السوق المصرية ويمكن تصديرها أيضا للأسواق الخارجية، داعيا رجال الأعمال القطريين للاستثمار في بلاده، لا سيما في المجال الصناعي.
وجاء هذا الاجتماع في إطار سلسلة من الاتصالات النشطة بين البلدين، لا سيما منذ الزيارة التي قام بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى مصر في يونيو 2022، وزيارة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية إلى الدوحة في 13 سبتمبر 2022، ومشاركة فخامته في حفل افتتاح بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 في نوفمبر من نفس العام، بما كان له من أثر كبير في فتح آفاق جديدة لتطوير وتعزيز العلاقات الثنائية لتغطي مساحات واسعة من الملفات والقضايا السياسية والاقتصادية وغيرها، خاصة في ظل التحديات الراهنة التي تشهدها المنطقة والعالم.
وانطلاقا من ذلك، عقدت دولة قطر وجمهورية مصر العربية محادثات موسعة على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، لا سيما من خلال الزيارات التي قام بها معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية إلى مصر، لتعزيز التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية، والتي استهلها في التاسع والعشرين من مارس 2022 باجتماع مع دولة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري، بمشاركة سعادة السيد علي بن أحمد الكواري وزير المالية، لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وأهمية تعزيز التعاون والتنسيق بينهما في المجالات المختلفة، حيث أشاد الجانبان بتشكيل لجنة عليا مشتركة برئاسة وزيري الخارجية في البلدين بهدف التشاور المستمر وتعزيز التعاون والتنسيق في المجالات كافة.
كما تم في هذا الإطار تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين من خلال الاتفاق على مجموعة من الاستثمارات والشراكات بجمهورية مصر العربية، بمبلغ إجمالي قدره خمسة مليارات دولار خلال الفترة القادمة.
وفي 27 نوفمبر عام 2024، حظيت زيارة معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، إلى مصر، باهتمام كبير على صعيد الملف الاقتصادي بين البلدين، لا سيما فيما يخص مجال الاستثمار، حيث التقى معاليه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، ودولة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري.
وفي هذا الشأن، أشار معاليه، في مؤتمر صحفي مشترك مع سعادة الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج إلى أن هذه الزيارة شهدت محطات مهمة في العلاقات الثنائية بين البلدين، وغطت عدة موضوعات، وخصوصا موضوعات التعاون الاقتصادي ومجالات الاستثمار، واستعراض الاستثمارات القطرية القائمة في مصر، معربا عن تطلعه إلى أن تسهم هذه الزيارة في استكمال فرق العمل متابعة إنجاز هذه المشروعات وتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين الشقيقين، فيما أوضح وزير الخارجية المصري أن معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية استمع من رئيس الوزراء المصري والوزراء لعرض مسهب حول مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال المواتية للاستثمارات القطرية في مصر، والعمل على تذليل أي صعاب يمكن أن تواجه المستثمرين، كما تم الحديث عن التبادل التجاري وأيضا التعاون في المجالات الإنسانية.
وحول أهمية توسيع ملف الاستثمار بين دولة قطر وجمهورية مصر العربية، أكد خبراء ومحللون اقتصاديون مصريون أن تعزيز الاستثمارات القطرية في مصر من شأنه أن يفتح آفاقا جديدة للنمو والتعاون في ظل الصدمات العالمية المتتالية والتوترات الجيوسياسية بالمنطقة العربية، لا سيما وأن البلدين يعقدان مشاورات لتوسيع الاستثمارات في مجالات جديدة، وعلى رأسها مجال مشروعات الطاقة، ورفع حجم التبادل التجاري وتسهيل الاستثمارات المتبادلة، إلى جانب إزالة العوائق التي قد تحول دون ذلك، وكذلك على ضوء ما يزخر به السوق المصري من العديد من الاستثمارات القطرية الناجحة، ومنها على سبيل المثال، استثمارات لجهاز قطر للاستثمار تقدر بحوالي 3.317 مليار دولار في منتجعات ومشاريع سياحية.
وفي هذا الإطار، قال الدكتور علي الإدريسي أستاذ الاقتصاد الدولي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن العلاقات الاقتصادية بين مصر ودولة قطر شهدت تطورا ملحوظا خلال العامين الماضيين بشكل خاص، حيث ارتفع حجم الاستثمارات القطرية في مصر إلى أكثر من 5 مليارات دولار، تركزت في مشروعات الطاقة، والعقارات، والسياحة، مع خطط مستقبلية لزيادة الاستثمارات في الصناعة والبنية التحتية، لافتا إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع ليصل إلى حوالي 1.2 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بـ 890 مليون دولار في عام 2022، حيث يعود هذا النمو إلى عدة أسباب، من بينها تسهيل إجراءات الاستثمار، وإزالة العوائق الجمركية، وتعزيز التعاون في المشروعات المشتركة.
وأردف الإدريسي قائلا إن السوق المصري يعد من أكثر الأسواق جذبا للاستثمارات القطرية، نظرا لحجمه الكبير الذي يضم أكثر من 100 مليون مستهلك، إضافة إلى البنية التحتية المتطورة، والإصلاحات الاقتصادية التي حسنت بيئة الأعمال، مشيرا إلى أنه يتوقع مع استمرار هذا الزخم، أن ترتفع الاستثمارات القطرية في مصر إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 2026، مع تركيز أكبر على مشروعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، مما يعزز الشراكة الاقتصادية بين البلدين ويفتح آفاقا جديدة للنمو والتعاون في ظل الصدمات العالمية المتتالية والتوترات الجيوسياسية بالمنطقة العربية.
وفيما يتعلق بتأثير هذا التطور الملحوظ في علاقات التعاون بمجال الاستثمار بين البلدين، قال الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، في تصريح مماثل لـ/قنا/، إن الاستثمارات بين مصر ودولة قطر تهدف إلى مزيد من التكامل الاقتصادي والصناعي ومزيد من الطاقات الإنتاجية وفرص العمل، معتبرا أن هذه الاستثمارات تعمل على زيادة حجم الإنتاج وقدرة المنتجات المصرية فيما يتعلق بالصادرات، فضلا عن تقليل فاتورة الواردات، ومن ثم خفض العجز المتمثل في الميزان التجاري، مشيرا إلى أن زيادة حجم التبادل التجاري في هذا الصدد تعني تسهيل طرق وصول البضائع والسلع المصرية والقطرية من وإلى داخل البلدين دون فرض أي رسوم أو أعباء، بما يعزز فرص انسياب حركة التجارة بينهما وتلبية احتياجات مواطني البلدين.
وأكد الشافعي، في هذا الصدد، أهمية زيادة الاستثمارات في أنشطة جديدة ومتعددة، مثل الاستثمار في مجالات الطاقة، حيث تمثل عاملا أساسيا من عناصر الأمان الاستثماري والاقتصادي، والتي تساهم في خلق اقتصاد قوي وصناعات فاعلة، كما أنها تعد الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها أي استثمار جديد، حيث إن توفير الطاقة يعزز من فرص توفير وتلبية احتياجات كل المشروعات القائمة والمزمع إنشاؤها خلال الفترات القادمة، لافتا إلى أن زيادة حجم الاستثمارات القطرية في مصر يعطي عوائد إيجابية للطرفين، على ضوء ما تحظى به مصر من سوق كبير يضم أكثر من مائة مليون نسمة، كما أنها تعد البوابة إلى إفريقيا.
وبالنسبة لأهم الاستثمارات القطرية التي رفعت حجم التبادل التجاري بين البلدين، قال أحمد آدم المحلل الاقتصادي المصري، إن العلاقات الاقتصادية بين مصر ودولة قطر بدأت تشهد نموا ملحوظا منذ زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2021 بمعدل نمو بلغ 76,4 في المائة، لافتا في هذا الصدد إلى أن ذلك النمو يعود إلى زيادة الصادرات المصرية لدولة قطر، لا سيما من المنتجات الزراعية والمواد الغذائية والمنسوجات، بينما تتمثل أهم واردات مصر من دولة قطر في الغاز الطبيعي المسال والبتروكيماويات والألومنيوم.
وتابع أن البنك الأهلي القطري يعد واجهة مضيئة لنجاح الاستثمارات القطرية في مصر، حيث يحقق نجاحات تدعم من قوة ومتانة واستقرار الجهاز المصرفي المصري، إذ تبلغ إجمالي أصول البنك في مصر 620,5 مليار جنيه، كما حقق البنك أرباحا قيمتها 15,8 مليار جنيه طبقا لآخر ميزانية سنوية معتمدة لهذا البنك الذي يمتلك 234 فرعا، ويضم 7209 موظفين، حيث يعد من أكبر ثلاثة بنوك تتبع القطاع الخاص، ولاعبا رئيسيا في السوق المصرفية بمصر.
وعلى ضوء تنوع الاستثمارات القطرية في مصر، كان دولة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري قد ذكر في حوار سابق مع وكالة الأنباء القطرية /قنا/ أن 261 شركة قطرية (بنسبة مساهمة قطرية تصل إلى مليارين و165 مليون دولار) تعمل في السوق المصرية، منها 249 مليون دولار في قطاع السياحة، وحوالي 208 ملايين دولار في قطاع الإنشاءات، وحوالي 36 مليون دولار في القطاع الصناعي.
إرسال التعليق