في ظل تصاعد الحملات الإعلانية الإخوانية لجمع التبرعات بادعاءات مختلفة، برزت دعوات التبرع عبر قنوات ومجموعات “تليجرام” تابعة للقيادي محمود حسين، بدعوى المساعدة في دعم حالات إنسانية طارئة وعاجلة، لكن، مع مرور الوقت، بدأت هذه الإعلانات تثير تساؤلات حول واقع التنظيم الإرهابي المصري من الداخل، فهل يعجز جناح من الأجنحة الإخوانية عن تقديم المساعدة لذوي الحاجة من أعضائه، أم أن الأمر يحمل أبعادًا أخرى؟
في الخامس عشر من أكتوبر 2024، نشرت قناة “تليجرام” ناطقة باسم مجموعة القيادي الإخواني محمود حسين إعلانًا يدعو أعضاء الجماعة للاشتراك في تجميع تبرعات لمساعدة “أخت من الأخوات عملت في تدريس وتحفيظ القرآن لكنها أصيبت في حادث أقعدها في الفراش، وكانت تعول أسرتها وهي بحاجة لمبلغ ثمانمائة دولار أمريكي لسداد قيمة علاجها وشراء بعض الأغراض الأخرى”. وأضاف ناشر الإعلان: “مساعدة مثل هذه الحالات من أفضل الأعمال، ولا ننشر إلا عن الحالات الأكثر حاجة واستحقاقًا”.
لم يتفاعل مع الإعلان، حتى الساعات الأولى من صباح السبت السادس والعشرين من أكتوبر، سوى خمسة وعشرين مشتركًا من بين ألفين وسبعمائة إخواني شاهدوا الإعلان. بينما توقف عدد المتفاعلين في قناة ثانية باسم “الأخوات المسلمات” عند خمس مشتركات فقط من بين مائة وثماني عشرة من نساء التنظيم شاهدن الإعلان، وانتهى حصاد إعلان التسول الإخواني، إلى مبلغ ثلاثمائة دولار فقط لا غير، ولم تنشر القناة الإخوانية أي نتائج أخرى بعد ذلك التاريخ.
لم يكن إعلان التبرع للأخت المصابة في حادث هو الأول من نوعه في قنوات ومجموعات “تليجرام” التابعة لجناح القيادي محمود حسين، المُنتحل لصفة أمين عام الجماعة الإرهابية، فقد سبقته إعلانات “تسول” أخرى، منها ما كان يدعو للمساهمة في حملة إغاثة منكوبي السيول، دون تحديد اسم الدولة التي يحتاج أهلها لتبرعات التنظيم الإخواني المصري لإطعام الجائعين، وكفالة الأيتام، وشراء الخيام، وإعادة تأهيل المنازل. ولم تُعلن القناة عن عائد الإعلان، ويبدو أن حصاده كان صفرًا كبيرًا.
في التاسع عشر من سبتمبر 2024، أعلنت قناة “الإخوان” على “تليجرام” عن وصول رسالة “من إحدى الأخوات حافظات القرآن تمر وأهلها بابتلاء مادي صعب، دَخَل والدها المستشفى ولم يستطيعوا علاجه، وتحتاج لمبلغ أربعمائة دولار أمريكي”. وزعمت القناة أن “هذه الأسرة وضعها سيئ جدًا أغلب الشهر، وتحتاج لمن يعينها في شراء أساسيات الأكل والشرب”. كما نشرت القناة في الحادي والعشرين من يوليو والسادس من أغسطس إعلانين بصيغة متقاربة، يدعو كل منهما للتبرع للمساهمة في مشروع “أهل القرآن” لتطوير المدارس القرآنية.
كانت طلبات مساعدة الحالات الإنسانية تُعرض في إطار من السرية في اجتماعات الوحدات التنظيمية الإخوانية بدايةً من الأُسَر، وتتلقى كل أسرة تكليفًا بالمساهمة في التبرع للحالات التي تتطلب مبالغ بسيطة، أو يتم تصعيد الطلبات إلى اجتماعات الشُعَب، ومنها إلى المكتب الإداري في كل محافظة، ثم إلى القيادة الأعلى في الحالات التي تتطلب مبالغ كبيرة أو مساعدات منتظمة. وفي الكثير من الحالات، كان عدد قليل من رجال الأعمال وأثرياء الجماعة يقدمون المساعدات للحالات العاجلة في طي الكتمان.
والعجيب في إعلانات التسول الإخواني الجديدة عبر “تليجرام” أن أحد المشرفين على وسائل التواصل الإخوانية هو المتحدث الإعلامي الأول في الجماعة، طلعت فهمي، الذي يتولى رئاسة مجلس إدارة إحدى المدارس الدولية ويشارك في ملكيتها، وهي تضم في فصولها أبناء أثرياء الجماعة من مصر ودول أخرى. ويستطيع فهمي توجيه الحالات الإنسانية إلى من يملكون القدرة على تقديم المساعدة دون الحاجة إلى نشر إعلانات التسول في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصةً أن المبالغ الواردة في الإعلانات لا تساوي ما يُنفق شهريًا في نثريات المصروفات بمدارس “الإخوان” وشركات رجال الأعمال بدول الملاذ الآمن.
وتُعتبر مثل هذه المبالغ من فتات العائدات اليومية من صفقات تداول العملات المشفرة وعائدات الإتجار الدولي غير المشروع في العملات الأجنبية، أو العائدات الشهرية لأصحاب المكافآت الدولارية الواردة لكُتّاب المقالات الإخوانية والعاملين في شبكة عضو الكنيست الإسرائيلي السابق، ومواقع التحريض الخاضعة للرجل الغامض، حامل حقائب التمويل المشبوه.
ويعلم “الإخوان” أن رجل أعمال واحدًا، مثل الأخ القيادي رجل الأعمال مدحت الحداد، لديه القدرة على مساعدة ذوي الحاجة من أعضاء الجماعة، وكان يمكنه تقديم المساعدات في طي الكتمان بدلًا من نشرها على العامة، وذلك بحكم رئاسته لما يُسمى “اتحاد الجمعيات المصرية” في دولة الملاذ الآمن. ولو قدّم المساعدة من أمواله الخاصة فلن تنقص من الرصيد المخصص لسفرياته المكوكية بين عدة دول.
ومع تصاعد التساؤلات حول مسار أموال التبرعات التي كانت تتدفق على خزائن التنظيم المصري من فروع الجماعة الإرهابية في جميع أنحاء العالم قبل الانقسامات والصراعات الحادة، يبقى السؤال المطروح: هل فقد محمود حسين السيطرة على تابعيه من رجال الأعمال وأصحاب الأموال، وتقطعت خطوط الاتصال المباشر بينه وبين أثرياء التنظيم الدولي؟!