مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية لعام 2024، يعود النقاش حول المرشحين كمالا هاريس ودونالد ترامب، ليس فقط كسياسيين، بل كشخصيات تركت بصماتها منذ الطفولة. حياة كل منهما تروي قصة فريدة، حيث يندمج الماضي مع الحاضر ليعكس رؤى مختلفة وأهدافًا متناقضة. من بداياتهما المتواضعة، إلى وصولهما إلى أعلى المستويات السياسية، تكشف هذه الرحلة تفاصيل نادرة عن تطورات شخصية وسياسية تلقي ضوءًا جديدًا على مرشحي الرئاسة.
نشأة هاريس: العدالة الاجتماعية والإصرار العائلي
وُلدت كمالا هاريس في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا، في بيئة عائلية متعددة الثقافات. والدتها شيامالا غوبالان، مهاجرة هندية، كانت أستاذة وباحثة في علم السرطان وناشطة في حركة الحقوق المدنية. هذا الارتباط العميق بالقضايا الحقوقية أثر بشكل كبير على حياة هاريس، التي حضرت منذ طفولتها مسيرات الحقوق المدنية مثل مسيرة “مارتن لوثر كينغ جونيور”. نشأت وسط رسائل عائلية تُعزز الكفاح من أجل العدالة الاجتماعية، مما جعلها تحلم بدور قيادي يخدم المجتمع.
عاشت هاريس أيضًا سنوات في مونتريال، كندا، حيث عملت والدتها كأستاذة في جامعة ماكغيل، وهي التجربة التي أثرت في شخصيتها ونضجت بها قبل عودتها إلى الولايات المتحدة. لاحقًا، التحقت بكلية هوارد في واشنطن العاصمة، إحدى الكليات التاريخية للأمريكيين ذوي البشرة السوداء، حيث عززت ثقافتها السياسية وارتباطها بالعدالة الاجتماعية، وهو ما ظهر جليًا في مسيرتها القانونية كمدعية عامة، ثم كسيناتور في مجلس الشيوخ الأمريكي.
ترامب: رجل الأعمال الطموح ونشأة في بيئة تنافسية
في الطرف الآخر، نشأ دونالد ترامب في حي كوينز بمدينة نيويورك، في عائلة ناجحة في مجال العقارات. كان والده فريد ترامب رجل أعمال من أصل ألماني، ساهمت قدرته في إدارة مشاريعه العقارية بنيويورك في تشكيل طموح ترامب منذ الطفولة. في سن الثالثة عشرة، أرسل ترامب إلى أكاديمية نيويورك العسكرية، حيث خضع لتدريب صارم شكّل شخصيته القيادية. كان لهذه التجربة، التي امتدت خمس سنوات، دورٌ محوري في بناء قدراته التنافسية، والتي استخدمها لاحقًا لتأسيس إمبراطوريته العقارية.
في أوائل السبعينيات، انضم ترامب إلى أعمال عائلته، لكنه سرعان ما وسع نشاطاته، ليصبح واحدًا من أبرز رجال الأعمال في العقارات. رغم التحفظات والتحديات، ترشح في 2016 وفاز بالرئاسة، مستفيدًا من خلفيته كرجل أعمال لتقديم نفسه كقائد “خارجي” يحارب الطبقة السياسية التقليدية.
هاريس وترامب في عالم السياسة الخارجية: رؤى متباينة ونهج مختلف
على الساحة الدولية، أظهرت هاريس وترامب رؤى مختلفة تجاه السياسة الخارجية. جاءت أول زيارة دولية لهاريس كنائبة للرئيس إلى غواتيمالا، حيث ركزت جهودها على قضايا الهجرة ومواجهة تدفق المهاجرين من أمريكا اللاتينية. وقفت هاريس كصوت قوي للحقوق الإنسانية، وعملت على تأكيد التزام الإدارة الأمريكية بالمساواة والعدالة الدولية.
في المقابل، ركز ترامب خلال رئاسته على السياسات الانعزالية. فقد قام بأول زيارة دولية له كرئيس إلى السعودية في 2017، مسلطًا الضوء على أهمية تعزيز الصناعة المحلية وتقليل التدخلات الخارجية. سحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ واتخذ خطوات لتعزيز الصناعات الأمريكية، معتبرًا ذلك ضرورة لتقليل الاعتماد على الدول الأخرى.
الطريق إلى البيت الأبيض: من المدعي العام إلى سيناتور ثم نائب الرئيس
عقب عودتها إلى كاليفورنيا، بدأت هاريس مسيرتها في نظام العدالة الجنائية، حيث عملت كمدعية عامة للولاية. من هناك، صعدت بسرعة، لتصبح أول مدعية عامة سوداء في ولاية كاليفورنيا. ساعدتها نجاحاتها القانونية في الفوز بمقعد في مجلس الشيوخ في عام 2016، ومن ثم في الانضمام إلى حملة جو بايدن، الذي اختارها كنائبته.
تزامن صعودها السياسي مع انطلاق ترامب في عالم السياسة، حيث تمكن من هزيمة هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، ليصبح رئيسًا للولايات المتحدة. جاءت نهاية رئاسته بعد انتخابات شديدة الاستقطاب في 2020، إلا أنه لا يزال يتمتع بدعم قوي داخل حزبه، مما مهد له الطريق للمشاركة في السباق الرئاسي مجددًا.
الانتخابات الرئاسية 2024: صراع محتدم بين الرؤى والتوجهات
ومع بدء التحضيرات لانتخابات 2024، نجد أن ترامب وهاريس يقدمان رؤى متعارضة لمستقبل الولايات المتحدة. تعكس هاريس تطلعات القضايا الليبرالية، مثل الحق في الإجهاض وحقوق الأقليات، التي أصبحت أحد أهم ملفات حملتها. في حين أن ترامب يتمسك بتوجهات محافظية تعزز دور المحكمة العليا المحافظ وسياسات الهجرة الصارمة. كلاهما يسعى لترك بصمة جديدة في تاريخ البلاد، وسط مناخ سياسي مفعم بالجدل والتحديات.
عائلة هاريس وعائلة ترامب: روابط وتحديات بين العائلة والسياسة
في حياتهما الشخصية، تشكل العائلة جزءًا هامًا من صورتهما العامة. تزوجت هاريس من المحامي دوج إمهوف، الذي يدعمها بقوة، ويُعرف عنها حبها لأطفال زوجها من زواجه الأول، حيث أطلقت على نفسها لقب “مومالا”. يشكل دعمها لعائلتها صورة قوية عن دور المرأة العاملة والنائبة القادرة على الموازنة بين التزاماتها الشخصية والسياسية.
أما ترامب، فقد لعبت عائلته دورًا بارزًا في حملاته الانتخابية ومسيرته السياسية. من زوجته ميلانيا، التي ظهرت إلى جانبه في مناسبات عديدة، إلى أبنائه الذين يديرون أعماله، تبقى عائلته جزءًا لا يتجزأ من صورته العامة. ومع إعلان ترشحه مجددًا، تعود هذه الروابط الأسرية للظهور كجزء من استراتيجيته.
حلم البيت الأبيض ورؤية للمستقبل
الآن، مع عودة ترامب للسباق وصعود هاريس كمرشحة للرئاسة، تدخل الولايات المتحدة مرحلة مفصلية. يواجه الناخبون الأمريكيون خيارًا يعكس اختلافات جذرية في السياسة والرؤية، بينما يتطلع كلا المرشحين نحو البيت الأبيض لترك أثر طويل الأمد. فهل سنشهد فصلًا جديدًا يعيد ترامب إلى السلطة، أم أن هاريس ستحقق طموحها كأول امرأة ذات أصول آسيوية وأفريقية تتولى هذا المنصب؟