فيلم وين صرنا؟… رحلة إنسانية من غزة إلى القاهرة تلامس القلوب وتغمرنا بالمشاعر العميقة


تستمر غزة في سرد قصص الألم والانتصار من خلال أحيائها وشوارعها المدمرة، حيث تبرز معاناة الشعب الفلسطيني بوضوح،على الرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي شهدها القطاع قبل الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر، إلا أن الناجين يؤكدون قدراتهم الاستثنائية في مواجهة التحديات، ويستذكرون أيامًا كانت على الرغم من صعوبتها أقل وجعًا من الوضع الراهن،يقدم فيلم “وين صرنا”، الذي أخرجته المخرجة التونسية درة زروق، رؤية إنسانية عميقة تسلط الضوء على مأساة عائلة فلسطينية أجبرت على مغادرة ديارها في غزة بسبب العنف المستمر.

يمتد وقت الفيلم إلى 79 دقيقة، ومن خلاله يأخذ المشاهد في رحلة عاطفية قاسية برفقة نادين، الشخصية الرئيسية، وعائلتها، مع مراحل نزوحهم من غزة إلى مصر،يتمحور الفيلم حول تفاصيل المعاناة، والشوق الموجع، والآمال التي لا تزال تعيش في قلوبهم ضمن هذه الظروف القاسية.

رحلة النزوح من تل الهوى إلى القاهرة

يسلط الفيلم الضوء على قصة نادين، الأم التي تعيش مع طفلتين توأم، والتي اضطرت مع عائلتها لمغادرة منزلها في حي تل الهوى بغزة يوم 13 أكتوبر 2025،كان النزوح نتيجة أوامر إخلاء فرضتها القوات الإسرائيلية، مما اضطر العائلة لحمل ما يستطيعون من ممتلكاتهم الشخصية مع أمل ضعيف بالعودة إلى وطنهم قريبًا.

قطعت العائلة مسافة طويلة من غزة إلى مخيم النصيرات، ثم إلى رفح، قبل الوصول إلى مصر،كانت الرحلة ممتلئة بالمخاطر والألم، تاركة وراءها منزلًا دُمر وأصدقاءً وجيرانًا سقطوا ضحايا في غمار القصف المتواصل،علقت العائلة آمالها في القاهرة، حيث استذكارهم لحياتهم السابقة قبل الحرب اتضح أنها كانت معقدة وصعبة، لكنها تظل أفضل مما يعيشه اليوم.

عبود.،بين غزة والمنفى

تتناول القصة أيضًا عبود، زوج نادين، الذي لم يتمكن من اللحاق بعائلته في بداية نزوحهم،ظل عبود عالقًا في غزة، محاولًا التكيف مع الأوضاع المرعبة التي واجهها وسط الدمار والدماء،تظهر لقطات مؤثرة من حياته اليومية، والتي تم تسجيل معظمها عبر هاتفه المحمول، وهو يحاول إيجاد طريقة لتدبر أمور معيشته والالتحاق بعائلته في القاهرة.

تروي الكاميرا قصة عبود وهو يتجول في شوارع وأحياء غزة المدمرة، وباستخدام شاطئها الذي كان يومًا ما مكان تجمع للعائلات، لكنه أصبح الآن مكتظًا بالخيام،يظهر على وجهه ملامح الحيرة وهو يستذكر بفخر “يا الله.،وين كنا ووين صرنا!”،تعكس هذه العبارة المعاناة العميقة التي عاشها عائلته وتغير منطقتهم بعد الأزمات المتتالية.

درة زروق صوت إنساني لفلسطين

يمثل الفيلم خطوة جريئة لشخصية درة زروق كمخرجة، حيث اختارت بجرأة أن تسلط الضوء على قصة إنسانية من قلب فلسطين،وظهرت في أحد التصريحات خلال عرض الفيلم الأول في دار الأوبرا المصرية ضمن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث أكدت زروق قائلة “أبطال الفيلم هم أشخاص حقيقيون من فلسطين.،لقد عملنا جميعًا على هذا الفيلم بحب وإيمان عميق بالقضية الإنسانية التي نتناولها.”

أوضحت زروق أنها سعت لتبرز الجانب الإنساني في الأزمة الفلسطينية، مشددة على أن الفلسطينيين ليسوا مجرد أرقام تُسجل في التقارير، بل هم أرواح تستحق الاحترام والتقدير، وأنه يجب الالتفات إلى القصة الإنسانية خلف كل ضحية.

فيلم ينافس في “آفاق السينما العربية”

يتنافس فيلم وين صرنا ضمن مسابقة “آفاق السينما العربية” في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، إلى جانب مجموعة من الأعمال الفنية الأخرى التي تعرض قضايا إنسانية واجتماعية متعلقة بالمنطقة،من المقرر أن يُختتم المهرجان في 22 نوفمبر، وسط توقعات بإشادة واسعة للفيلم بسبب قوته في تجسيد المعاناة والحنين الوطني.

رسالة الفيلم.،الإنسان أولًا

لا يقتصر فيلم “وين صرنا” على سرد قصة نزوح أو توثيق مآسٍ إنسانية، بل يسعى لترسيخ فكرة أن الشعب الفلسطيني ليس مجرد أعداد ضحايا، وإنما هم بشر يحملون مشاعر ورغبات وأحلام،بطريقة إنسانية مؤثرة، يُذكر الفيلم العالم بأنه خلف الأزمات، هناك Faces وقصص فردية تتألم وتسعى لواقع أفضل.

ختامًا يمثل فيلم “وين صرنا” أكثر من كونه مجرد وثائقي عن الحرب والنزوح، فهو يعبر عن رسالة إنسانية عميقة تسلط الضوء على الجوانب الإنسانية للأزمات بعيدًا عن الإحصائيات الجافة،من خلال قصص نادين وعائلتها، يعكس الفيلم تجارب الشعب الفلسطيني، حيث يعيش تحت وطأة الألم، ولكن يظل الأمل متجذرًا في قلوبهم.

ستظل كلمات عبود “وين كنا ووين صرنا” شاهدًا على مدى التغيرات المأساوية التي عاشها الشعب الفلسطيني، ولكنها تحمل أيضًا أملًا بإمكانية تحقيق واقع أفضل في المستقبل،يعيد الفيلم تذكيرنا بأن وراء كل أزمة توجد وجوه وأرواح تبذل قصصها، وتستحق الحياة الكريمة والسلام.