الصبح أخبار – الصراع الأوكراني بين الضربات الروسية وضغوط التفاوض.. هل يقترب الحسم؟ (خاص)
شهدت أوكرانيا موجة جديدة من الهجمات الروسية بعدما استهدفت موسكو مناطق عدة بصواريخ ومسيرات، ما أسفر عن مقتل 15 شخصًا، وفق ما أعلنته السلطات الأوكرانية.
وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن بلاده تعرضت لهجمات متنوعة شملت الصواريخ والطائرات المسيّرة والقنابل الجوية، مشيرًا إلى الحاجة الماسة للدعم الدولي لمواجهة “الإرهاب الروسي”، على حد تعبيره.
من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية تحقيق تقدم ميداني، مؤكدةً سيطرة قواتها على بلدة كريمسكي الواقعة شمال شرق مدينة توريتسك، التي تُعد هدفًا استراتيجيًا في منطقة دونيتسك.
ووفقًا لتقارير محلية، فإن القوات الروسية تواصل تقدمها في مدينتي توريتسك وتشاسيف يار، وسط معارك عنيفة مع القوات الأوكرانية.
أضرار وضحايا في عدة مناطق
شملت الضربات الروسية عدة مناطق رئيسية، حيث تعرضت مدن مثل زابوريجيا، وأوديسا، وسومي، وخاركيف، وخميلنيتسكي، وكييف، لهجمات جوية مكثفة.
وأسفر قصف صاروخي على مدينة بولتافا عن مقتل ثمانية أشخاص، من بينهم طفل، فيما أعلنت السلطات الأوكرانية الحداد لثلاثة أيام.
وفي خاركيف، أدى سقوط طائرة مسيرة روسية على مبنى سكني إلى مقتل امرأة وإصابة أربعة أشخاص، بينما قتل ثلاثة من عناصر الشرطة في ضربة جوية على منطقة سومي القريبة من الحدود الروسية.
كما استهدفت الهجمات بنى تحتية للغاز والطاقة، ما يفاقم من أزمة الطاقة في أوكرانيا.
تطورات سياسية ومساعٍ للسلام
في ظل التصعيد العسكري، تتزايد التساؤلات حول إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية تنهي النزاع المستمر منذ عام 2022.
وكشف كيث كيلوغ، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاص إلى أوكرانيا وروسيا، عن مساعٍ أمريكية لدفع كييف إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، بشرط التوصل إلى هدنة مع موسكو خلال الأشهر المقبلة.
وأكد كيلوغ، في تصريحات لـ”رويترز”، أن الانتخابات يجب أن تُجرى رغم الحرب، مشيرًا إلى أن الدول الديمقراطية غالبًا ما تنظم انتخابات حتى في أوقات النزاعات، كما أوضح أن فريق ترامب يعمل على وضع خطة للتوسط في مفاوضات سلام، إلا أن تفاصيلها لم تُكشف بعد.
مستقبل الأزمة بين التصعيد والتفاوض
مع دخول النزاع عامه الرابع، يواجه الطرفان تحديات متزايدة، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، وبينما تسعى موسكو لتحقيق مزيد من المكاسب الميدانية، تحاول كييف تأمين دعم إضافي من حلفائها الغربيين.
وفي الوقت نفسه، تبقى احتمالات التوصل إلى هدنة أو مفاوضات سلام مرهونة بالتطورات الميدانية والتغيرات المحتملة في الموقف الأمريكي، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية هناك.
ومن هذا المنطلق، يتحدث الدكتور سمير أيوب الباحث والمتخصص بالشؤون الروسية لـ”بلدنا اليوم”، قائلا إن الحديث المتزايد عن مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحل الأزمة الروسية الأطلسية في أوكرانيا يعكس تحولات في مواقف الأطراف المختلفة، رغم عدم وجود تفاصيل ملموسة وصلت إلى موسكو حتى الآن.
ولفت إلى أن مجرد طرح هذا الملف على طاولة المفاوضات يشير إلى أن جميع الأطراف تحاول تعزيز موقفها من خلال امتلاك أوراق ضغط تفاوضية.
الوضع الميداني في أوكرانيا تحديات متزايدة
شدد “أيوب” على أن أوكرانيا تمر بمرحلة حرجة على الصعيد العسكري، حيث تواجه تراجعًا مستمرًا في الجبهات، إذ تفقد أسبوعيًا بلدات جديدة لصالح القوات الروسية.
وأضاف أن المساعدات العسكرية التي قدمها حلف الناتو لم تسهم في تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض، ما يعزز من موقف روسيا في ساحة المعركة.
وأوضح أيوب أن موسكو لا تكتفي بالتقدم الميداني، بل تستمر في تنفيذ ضربات صاروخية مكثفة تستهدف البنية التحتية الأوكرانية، سواء العسكرية أو المدنية، مما يفاقم من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
كما أكد أن هذه الاستراتيجية تسعى إلى إضعاف الجيش الأوكراني وزعزعة استقرار نظام كييف، عبر استهداف مواقع استراتيجية تساهم في استمرار الحرب.
الضغوط الروسية وموقف الغرب
لفت “أيوب” إلى أن روسيا تمارس ضغطًا متزايدًا لإجبار أوكرانيا على الاعتراف بالخسائر التي تكبدتها وعدم قدرتها على استعادة المناطق التي فقدتها.
وأضاف أن موسكو تسعى أيضًا إلى إرسال رسالة واضحة للغرب بأن الدعم العسكري لكييف لم ينجح في إحداث تغيير جذري في مسار الحرب، مما يدفع بعض الدول الغربية إلى إعادة تقييم مواقفها بشأن استمرار الدعم غير المشروط.
وأشار “أيوب” إلى أن الوضع في جبهة دونيتسك يشهد تراجعًا مستمرًا للقوات الأوكرانية، بينما تمثل مقاطعة كورسك الروسية عبئًا كبيرًا على الجيش الأوكراني الذي يواجه استنزافًا مستمرًا منذ أن دخل هذه المنطقة قبل أشهر.
وأوضح أن الغرب قد يجد في استمرار الصراع ضررًا أكبر من فوائده، ما يعزز من احتمالية البحث عن حلول تفاوضية.
المفاوضات المحتملة وشروط روسيا
شدد “أيوب” على أن موسكو لا ترغب في تجميد الصراع، بل تسعى إلى إنهائه وفقًا لشروطها، والتي تتضمن الحصول على ضمانات غربية بعدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، بالإضافة إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
وأوضح أن هذه الشروط تمثل الحد الأدنى الذي يمكن أن تقبل به موسكو كجزء من أي اتفاق مستقبلي.
الدور الأمريكي والموقف من زيلينسكي
لفت “أيوب” إلى أن تصريحات ترامب بشأن ضرورة إنهاء الحرب قد تكون جزءًا من استراتيجيته الانتخابية، حيث يسعى لإظهار التزامه بوعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية.
وأوضح أن هناك تساؤلات داخل روسيا حول مدى جدية الولايات المتحدة في إنهاء الصراع، أم أن الأمر مجرد خطوة سياسية لخدمة المصالح الأمريكية في هذه المرحلة.
وأشار أيوب إلى أن الضغوط الأمريكية على أوكرانيا قد تزداد خلال الفترة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتي تم تعليقها بسبب الحرب.
وأكد أن روسيا لا تعترف أصلًا بشرعية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، نظرًا لانتهاء ولايته منذ العام الماضي، مما قد يؤدي إلى تصعيد سياسي إضافي.
التحديات أمام المفاوضات
شدد “أيوب” على أن أي مفاوضات مستقبلية تتطلب إزالة العقبات التي تعرقل الحوار، وعلى رأسها المادة الدستورية التي تمنع التفاوض مع روسيا والتي أقرها زيلينسكي.
وأضاف أنه في حال إجراء انتخابات جديدة، فقد لا يكون زيلينسكي هو الرئيس المقبل لأوكرانيا، نظرًا لتراجع شعبيته وعجزه عن تحقيق إنجازات عسكرية ملموسة.
وأوضح أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بدأت تعبر عن استيائها من زيلينسكي، خاصة بسبب مطالبه المستمرة بالحصول على دعم عسكري ومالي إضافي.
وأكد أن كييف تستغل الحرب لإقناع الغرب بأنها خط الدفاع الأول ضد روسيا، في محاولة لاستمرار تدفق المساعدات.
السيناريوهات المحتملة
شدد “أيوب” على أن هناك مؤشرات متزايدة بأن المفاوضات قد تكون الخيار الوحيد لإنهاء الصراع، لكن كل طرف يسعى إلى تعزيز موقعه قبل الجلوس إلى طاولة الحوار.
وأوضح أن أوكرانيا تراهن على الضربات التي تنفذها بطائرات مسيرة ضد الأراضي الروسية، رغم أن تأثيرها العسكري محدود مقارنة بالتقدم الروسي الميداني.
وأشار إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد تحولًا في المواقف الدولية تجاه الأزمة الأوكرانية، خاصة مع تنامي الرغبة في البحث عن حل سياسي، لكنه أكد أن نجاح أي تسوية سيعتمد على قدرة كل طرف على فرض شروطه في المفاوضات المقبلة.
إرسال التعليق