فأوحى إلى عبده ما أوحى

للوحي الإلهي مظاهر متعددة، منها وحي التشريع وهو المتعلق بالرسالات السماوية والنبوءات، وكان بواسطة الأمين جبريل عليه السلام، وانتهى هذا الوحي بعدما أتم الله عز وجل الرسالة المحمدية الخاتمة للرسالات السماوية، ونزول قوله تعالى “اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا”.. 

 

وهناك مظهر ثاني للوحي الإلهي وهو وحي التكليم، وهو المشار إليه بقوله تعالى “وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا”، وهذا الوحي خاص وقاصر على صفوة أهل الاجتباء والاصطفاء الإلهي من خاصة الخاصة من أهل ولاية الله، الذين خصهم الله تعالى في مقام يسمى بمقام الوقفة، وتلقي الخطاب وهم على قدم سيدنا موسى عليه السلام إذ أنه على رأس مقام التكليم..  

 

وهناك مظهر ثالث للوحي الإلهي يسمى بوحي الإلهام، وهذا الوحي غير قاصر على البشر بل هو لكل العوالم والكائنات حيث يقول تعالى إشارة إلى ذلك “وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ”، ويقول سبحانه “وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا”..  

 

وهناك مظهر آخر من مظاهر الوحي الإلهي لعباده المؤمنين وهو ما يسمى بوحي الرؤيا الصالحة، أو الصادقة التي يزف الله تعالى فيها البشرى لعبده المؤمن، وهي ما يراه المؤمن أو أن ترى له، وهي من مشكاة أنوار النبوة لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلى آله: 

“لا نبوة بعدي وبقي لأمتي المبشرات، قالوا وما المبشرات يا رسول الله ؟ قال الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له فإنها جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة، وفي رواية جزء من أربعين جزء من النبوة”..

وهذا المظهر من مظاهر الوحي الإلهي قائم في الأمة إلى يوم القيامة إذ إن فضل الله تعالى دائم على عباده الصالحين..  

وهناك وحي تفرد وخص به سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلى آله، وهو الوحي المباشر الذي هو بلا واسطة، وحي من الله تعالى مباشرة إلى رسوله وهو المشار إليه بقوله عز وجل ” ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ”، وفي هذا المظهر الخاص من مظاهر الوحي الإلهي لرسول الله أشار الحق سبحانه إلى أن بينه جل جلاله وبين محبوبه أسرار لا يعلمها أحد من بين خلق الله سبحانه وتعالى..  

عزيزي القارئ ماذا كان بين الله تعالى ورسوله عند اللقاء في ليلة الإسراء والمعراج؟ لا أحد يعلم ولا أحد يدري، وهذا يؤكد لنا ولجميع الخلق أن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام هو الحبيب الأعظم والخليل الأكرم، وهو عين أعيان الخلق وعين المراد الإلهي من بين جميع الخلق، ويؤكد أيضا أن لرسول الله مكانة ومنزلة عند ربه تعالى ومولاه لا يعلمها أحد إلا الله تعالى..

ولعل في قول الله عز وجل لرسوله “وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ” إشارة إلى ذلك..  وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أشار إلى ذلك بقوله: “لا يعرف قدري إلا ربي”.