في عالم الجراحة العظمية، يبرز استبدال مفصل الكتف كخيار علاجي متقدم وفعال للأشخاص الذين يعانون من آلام مزمنة وفقدان في وظيفة الكتف، خاصةً عندما تفشل الحلول غير الجراحية في تقديم نتائج ملموسة، وقد شهد هذا النوع من التدخل الجراحي تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، سواء من حيث تصميم الزرعات أو دقة اختيار المرشحين له، مما أسهم في تحسين معدلات النجاح وإطالة عمر المفصل الصناعي.
بحسب ما أكده الدكتور وحيد إنتظاري، أخصائي الجراحة العظمية، لـ clevelandclinic فإن هذه العملية لم تعد تقتصر على حالات محدودة، بل أصبحت تُجرى بنحو 70 ألف مرة سنويًا، مما يجعلها الأسرع نموًا ضمن مجال استبدال المفاصل. ويضيف أن التقدم في تقنيات الزرع أتاح للأطباء اليوم تقديم خيارات مخصصة لحالات متنوعة من التدهور في مفصل الكتف.
دوافع اللجوء إلى استبدال مفصل الكتف
يُعد التهاب المفاصل أحد أبرز الأسباب التي تقود إلى اتخاذ قرار الجراحة. فمع تآكل الغضروف الذي يغلف نهايات العظام، تبدأ المفاصل بفقدان قدرتها على الحركة السلسة، ما يسبب احتكاك العظام مباشرةً ببعضها البعض، وينجم عن ذلك ألم شديد، خصوصًا عند أداء حركات تتطلب رفع الذراع أو الدوران.
ورغم أن التهاب المفاصل هو العامل الأكثر شيوعًا، إلا أن حالات تمزق أو ضعف عضلة الكتف المدورة تمثل أيضًا سببًا محوريًا للجوء إلى الجراحة، لا سيما لدى كبار السن أو أولئك الذين تدهورت عضلاتهم بفعل الزمن أو نتيجة إصابات مزمنة. ويوضح الدكتور إنتظاري أن “فقدان قوة العضلة أو تمزقها يقيّد خيارات العلاج، وفي بعض الحالات، لا يكون هناك بديل عن التدخل الجراحي”.
نمطان من الجراحة… وفقًا للحالة
تعتمد طريقة استبدال مفصل الكتف على وضع عضلة الكتف المدورة. ففي الجراحة التشريحية التقليدية، يجري استبدال المفصل بزرعة معدنية تحاكي الشكل الطبيعي للمفصل، مما يسمح للمريض باستعادة حركة شبه طبيعية للكتف. هذا النوع يتطلب أن تكون عضلة الكتف المدورة سليمة للعمل بكفاءة.
أما في الحالات التي تعاني من تمزقات عضلية شديدة أو تآكل متقدّم، فيُستخدم نمط “الاستبدال العكسي”، حيث يُعاد ترتيب مواقع الكرة والحُق في المفصل الصناعي، مما يمنح المفصل الثبات المطلوب حتى في ظل غياب الدعم العضلي الطبيعي.
ما بعد الجراحة: من الألم إلى التعافي
يتوقع المرضى عادة مغادرة المستشفى في اليوم التالي للجراحة، مدعومين بتقنيات التخدير الحديثة التي تقلل الألم وتسهل بداية التعافي. في غضون أسابيع قليلة، يبدأ المرضى بتمارين حركة بسيطة، تتدرج مع الوقت إلى تمارين تقوية. ويشير الدكتور إنتظاري إلى أن معظم المرضى يستعيدون قدرًا كبيرًا من الوظيفة خلال ثلاثة أشهر، ويصلون إلى مرحلة متقدمة من التعافي في غضون عام.
ورغم اختلاف النتائج بين النوعين، إلا أن كلاهما يحقق الهدف الأهم: تخفيف الألم وتحسين جودة الحياة. إذ يُظهر أكثر من 90% من المرضى رضاهم عن نتائج الجراحة، وبعض الزرعات تظل فعّالة حتى 15 عامًا بعد الإجراء.
استبدال مفصل الكتف ليس قرارًا يُتخذ بسهولة، لكنه يمثل بارقة أمل لمن يعانون من قيود دائمة في الحركة وآلام لا تنفع معها الأدوية. ومع التقدم المستمر في تقنيات الجراحة والزرعات، أصبحت هذه العملية خيارًا علاجيًا موثوقًا يُعيد للمرضى القدرة على ممارسة حياتهم اليومية بأقل قدر من المعاناة، وأكثر قدر من الكفاءة.

0 تعليق