لا شك أنّ الحرب الإسرائيلية الأخيرة سوف تنعكس بصورة أو بأخرى على انتشار ظاهرة الإرهاب والتطرف العالمي، بل سوف تُعززها خاصة وأنّ الحرب مر عليها أكثر من 20 شهرًا.
الممارسات الإسرائيلية المنفلتة في القضاء على الشعب الفلسطيني لن تمر مر الكرام، ولا يمكن قراءتها فقط في سياق مواجهة حركة حماس؛ فالحقيقة أنّ المقصود هو إبادة الشعب الفلسطيني والضغط من خلاله على حكومة حماس في قطاع غزة.
هذا السلوك سوف تكون عواقبه وخيمة ليس فقط على مستوى الأمن والحياة داخل الجارة إسرائيل ولكن سوف يترك أثره على المنطقة بأكملها والإقليم بل والعالم، وهذه ما ترجمته بعض الإعتداءات على إسرائيليين في أكثر من دولة وكان أخرها في مدينة بيرل ستريت، بولاية كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية وأسفر عن إصابات 8 أشخاص وفق ما أعلنه مكتب التحقيقات.
إسرائيل تعاملت بإرهاب شديد ضد شعب أعزل اعتقادًا منها وفق المنظور الإسرائيلي أنه يُحافظ على أمنها، ورفضت تدخل دول العالم ولم تستجب لكل دعوات وقف المجازر والإبادة الجماعية، وهو ما سوف يُهدد أمنها على المدى البعيد.
في البداية لا يمكن أنّ نساوي بين إرهاب إسرائيل وبين أي مقاومة لها، فمهما كان شكل المقاومة فهو حق كفلة القانون الدولي والإنساني، والشعب الفلسطيني هو من يُحدد أولوياته في مقاومة عدو لا يُعطيه حق الحياة، بل يمنعه من هذه الحياة، ولعل المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام وبخاصة السوشيال ميديا هي غيض من فيض ورغم قساوتها والتي تُعبر عن المأساة التي يعيشها الفلسطينيين على مدار سنوات النكبة، إلا أنها لن تصب في مصلحة الأمن الإسرائيلي.
ولكن سلوك إسرائيل المتطرف يُعقد محاولات حفاظها على الأمن الداخلي، لأنه ببساطة شديده يصب في صالح المواجهة العسكرية معها ويُعزز خطاب تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وهذا ما لا تتمناه تل أبيب ولكنه سوف يحدث.
عدّلت حماس من رؤيتها بالمطالبة بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، إيمانًا منها بضرورة التعاطي مع المعطيات الحاليّة، وتحقيق حلم الفلسطينيين بإقامة دولته ولو بشكل مرحلي.
سلوكيات إسرائيل ينسف توجه حماس الخاص بإقامة الدولة الفلسطينية وهو توجه معدّل، بل سوف يدفعها ويدفع تنظيمات أخرى إلى مواجهة أكثر شراسة معها، مواجهة قد يكون الخاسر فيها على المدى البعيد إسرائيل، وفد لا تكون غير محسوبة فيكون العرب والفلسطينيون هم الخاسرين، ولكن الشاهد في استمرار المواجهة وتعزيز آلياتها.
في تقديري الخاص، أنّ الخاسر الأكبر في الحرب الإسرائيلية من الناحية العسكرية هي إسرائيل، صحيح نجحت في قمع الفلسطينيين وقد دفعوا أثمانًا غالية في مواجهة كان الرهان فيه غير دقيق، ولكن يبقى أنّ المزاج الفلسطيني بات مع ضرورة مواصلة العمل العسكري ضد إسرائيل في الداخل والخارج.
هذه المواجهة سوف تُصبح أمرًا واقعًا مع الوقت، وهو ما سوف يُؤثر على أمن المنطقة، سواء قامت إسرائيل بتنفيذ عمليات ضد المقاومة خارج فلسطين أو ردت المقاومة باستهداف مصالح إسرائيل في الخارج.
اتساع المعركة يُعني مزيدًا من المواجهة؛ فهذا الخطاب يُدعم كل الحركات المتطرفة سواء الصهيونية وهي الأشد تطرفًا، وكذلك حركات المقاومة ذات النزعة غير المنضبة، والتي تُصنفها بعض الدول إرهابية.
الإرهاب له لون واحد، ولا يمكن وصف المقاومة بأنها حركات متطرفة وفق القانون الدولي، ولكن هذا الخطاب سوف يكون الأكثر انتشارًا والأكثر تشجيعًا على المواجهة.
ويبدو المثال واضحًا، في الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها في الأردن في إبريل الماضي؛ حيث قامت مجموعة من الإخوان المسلمين بتصنيع صواريخ قصيرة المدى وأسلحة خفيفة وثقيلة.
وبغض النظر عن مدى الصواريخ المصنعة والهدف منها، فهذا يُهدد أمن واستقرار الأردن، ولا يُبرر ولو صح لدعم المقاومة الفلسطينية، وهذا ما يُنشير إليه بوضوح.
قيادة الإخوان بجبهاتها في الخارج طالبت بالإفراج عن هذه الخلايا، كما طالبت حماس أيضًا بالإفراج عنهم بعد أنّ سمت العمل بالمقاوم.
وهنا تدفع إسرائيل المنطقة العربية إلى أنّ تُصبح قطعة من لهب؛ فإذا كان سلوك المجموعة الحاكمة في إسرائيل أشبه بسلوك العصابات الصهيونية قبل أكثر من سبعين عامًا، فإن أثر ذلك سوف يبدو أيضًا في سيل من المواجهة المضادة مع الاعتراف بالحق الفلسطيني في المقاومة.

0 تعليق