في قلب مدينة شبين القناطر بمحافظة القليوبية، وتحديدًا في أحد أركان السوق الشعبي القديم، يجلس "المعلم عربي أبو إسماعيل"، رجل تخطى الستين عامًا، وورث عن أجداده تجارة الجِمال، فصار أحد أشهر الوجوه في سوق الإبل بمصر، وعلى مدار العام يعمل السوق بهدوء نسبي، لكن مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، يتحوّل إلى خلية نحل، ويصبح "موسم الجمال" موسمًا للرزق والبهجة لا يُشبهه أي موسم آخر، ووسط ضجيج السوق وروائح العلف والشمس الحارقة، يظل المعلم “عربي” شاهدًا حيًا على علاقة المصريين القديمة بالجمل، التي تتجدد كل عام مع تكبيرات العيد وبهجة الأضحى، حين يعود الناس إلى الجمل، من باب العادة والبركة.
يصف “المعلم عربي” عيد الأضحى بأنه "العيد الكبير" للتجار والمربين، حيث تبلغ حركة البيع والشراء ذروتها، وتُقبل العائلات على اقتناء الأضاحي، سواء للذبح أو التربية، ويقول: "السوق شغّال طول السنة، لكن في العيد بنعيش موسم استثنائي، الناس بتدور على الجمل البلدي والمستورد والمغربي، وكل واحد ليه زبونه".

المعلم عربي: الناس بتحب تضحي بالجملي حتى لو بتحب العجالي
أوضح أنه يمتلك في حظيرته أنواعًا متعددة من الجمال، الجمل البلدي المعروف بقوته وتحمله، والمغربي برقبته الطويلة ولحمه الأحمر قليل الدهون، والمستورد الذي يجمع بين كل الصفات، وأشار وهو يمرر يده على رقبة جمل ضخم "الجمل بيتدبح من عمر 3 سنين وطالع، والبيع بيكون على بعضه، مش بالكيلو، وسعره بيتراوح من 45 ألفا لـ90 ألف، حسب النوع والعمر والوزن".
وأضاف “المعلم عربي”، أنه على الرغم من رواج لحوم العجول والبقر، غلا أن الكثير من الزبائن يفضلون اللحمة الجملي في عيد الأضحى، لأنها تعطي كمية لحم أكبر وتحتوي على دهون أقل، مؤكدًا "في ناس بتحب العجالي لكن يوم العيد لازم جملي، لأن لحمه نضيف، وطعمه غني، وبيدي كمية لحم أكتر من العجالي، وده مهم للناس اللي بتوزع لحمة كتير".

اللحم الجملي نظيف.. لا كيماويات ولا أدوية
ويتفاخر المعلم عربي بنقاء لحم الجمل الذي يربيه، مؤكدًا أنه لا يحتاج للأدوية أو الكيماويات،قائلًا "الجمل لو تعب بيعالج نفسه، مبيتعبش زي البهايم التانية، بياكل أنضف أكل، فول وعلف ودشيشة، ولو حتى جاع عشر أيام مش هيأكل إلا أنضف حاجة، وده معناه أنه لحمه مفيهوش أمراض ولا إضافات".
وأشار الى أنه رغم أهمية العيد، إلا أن القدرة الشرائية هذا العام تراجعت إلى النصف بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف والنقل وتكاليف التربية، موضحًا “الناس تعبانة والعلف غلي، والنقل غلي، وكل حاجة بقت مكلفة، والمشتري بيدور على الأرخص عشان عنده التزامات تانية كتير”.

سوق دراو وبرقاش.. محطات الإبل الكبرى في مصر
ولفت “المعلم عربي” إلى أن هناك أسواقًا كبرى تتحكم في حركة الجمال في مصر، أبرزها سوق دراو في أسوان، وسوق برقاش، وسوق إمبابة في الجيزة، حيث تأتي الإبل من السودان وموريتانيا وتُنقل إلى المحافظات، موضحًا "إحنا بنغير مرعى الجمل كل 3 شهور، وندي له عشب وعلف بلدي، عشان يبقى لحمه نضيف ومليان صحة".

وأوضح أن الجمل الواحد قد يتشارك فيه من شخصين إلى سبعة أشخاص، فهو أضحية شرعية تجزئ عن سبعة أفراد، ويُقبل عليه أهالي شبين القناطر والعزب المجاورة وخاصة “العُربان”، قائلًا "فيه عائلات بتحب تضحي بجمل ويتقسموا عليه، لأن لحمه كتير، وأضحية مقبولة، والجمل بيتشارك فيه سبعة أفراد زي ما الشرع قال"، وأضاف بفخر "بيجولي ناس من بلاد بعيدة علشان لبن الجمال، لأنه مفيد للكبد، وفيه شفاء من أمراض كتير، ولبنه غني ودسم وكله فايدة، وده بيدينا إحساس إن تجارتنا فيها بركة من ربنا".
في ختام حديثه، يبتسم المعلم عربي معربًا عن فرحته بقدوم العيد قائلًا "العيد فرحة لينا زي باقي الناس، يمكن إحنا بنشوف فيه رزق كمان، لكنه في الأول والآخر موسم خير للغني والفقير، والجملي عمره ما يخذل اللي يضحّي بيه".


0 تعليق